الرئيسية في العمق صفقة الأسلحة الأمريكية: جزية لـ “ترامب” أم تأمين للسعودية؟.. قراءة هادئة

صفقة الأسلحة الأمريكية: جزية لـ “ترامب” أم تأمين للسعودية؟.. قراءة هادئة

10 second read
1

علاء البشبيشي

يسلط هذا التقرير الضوء على الزوايا التي غابت عن النقاش العربي في خضم التندُّر الاختزاليّ على الاتفاقات السعودية الأمريكية، ويتطرق إلى الشراهة الخليجية للسلاح الغربي، ودوافع هذه الصفقات الباهظة وحدود القوة التي تمنحها لملكليات النفط في المنطقة، وإن تتناول هذه السطور حقيقة الريادة التسليحية الأمريكية، فإنها تسلط الضوء على محاولة توطين الصناعات العسكرية في السعودية، لكن في ظل غياب الشفافية باعتباره تربة خصبة للفساد، ويحذر من مخاطر استخدام هذه الأسلحة في حرب اليمن، ويشير إلى علاقة هذه التطورات بملف الخلافة في المملكة.

العميان والفيل

يُحكى في بلاد الهند أن مجموعة من العميان حاولوا وصف الفيل، فما كان إلا أن لمس كل واحد منهم جزءًا من جسد الحيوان الضخم، ووصفه بناء على ما شعر به، فجاءت أوصافهم مختلفة جذريًا.

عبرت الحكاية بلاد العجائب، وشقت طريقها إلى العديد من التقاليد الدينية البوذية منها والصوفية والهندوسية والبهائية، وأصبحت بحلول القرن التاسع عشر معروفة في أوروبا، ثم انتشرت لاحقًا على أجنحة كتب البالغين والأطفال.

 

ولأن العرب ليسوا كغيرهم، فإنهم تفرّدوا أيضًا في تعاملهم مع هذه الحكاية: أخرجوها من بطون الكتب رغم أنها تُضرَب أصَلا للتندُّر لا للتقليد، ثم أبوا إلا أن يُطَبِّقوها عمليًا على أرض الواقع بصورة دورية.

آخر تجليات الحكاية التي نبتت في بلاد الهند ووجدت تربة خصبة في بلاد العرب ظهرت حين أراد سكان مواقع التواصل الاجتماعيّ وصف صفقة السلاح الضخمة التي هندسها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي، ووضع دونالد ترامب لمساته الأخيرة عليها أثناء زيارته إلى السعودية.

انقسم العرب كعادتهم في تفسير الصفقة؛ فمنهم من انتقدها باعتبارها “جزية دفعها خادم الحرمين الشريفين- عن يدٍ وهو صاغر- إلى أبو إيفانكا”، وعلى الشاطئ الآخر مَن دافع عنها باعتبارها من “ضرورات الأمن القومي السعودي”.

لكن بين طرفي النقيض، وفي خضم التندُّر الاختزاليّ والدفاع المضادّ، تاهت علامات استفهامٍ ربما تكون أكثر أهمية:

شراهة للسلاح

الشراهة الخليجية لشراء السلاح تسبق حتى ترشُّح ترامب للرئاسة؛ حيث ارتفعت واردات الشرق الأوسط من السلاح بنسبة 61% بين عامَيْ 2006-2010 وعامَيْ 2011-2015، وكانت السعودية ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم في الفترة ما بين 2011-2015، بزيادة قدرها 275%، مقارنة بالفترة ما بين 2006-2010.

في الفترة ذاتها، ارتفعت واردات السلاح إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 35%، وقطر بنسبة 279%. وزادت واردات السلاح إلى مصر بنسبة 37% في الفترة ما بين 2006-2010 و2011-2015؛ ويرجع ذلك أساسا إلى الارتفاع الحاد في عام 2015.

وفي حين تتبوأ المملكة العربية السعودية رأس القائمة، ترصد التقارير العسكرية تزايد حصة دول مجلس التعاون الخليجي من مبيعات الأسلحة الدولية بوتيرة غير مسبوقة، والتي شملت: طائرات مقاتلة، ومروحيات قتالية، وناقلات جند مدرعة، وصواريخ جو-جو موجهة بالأشعة تحت الحمراء، ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع، وطائرات بدون طيار، ودفاعات الصواريخ البالستية، وطرادات، وزوارق إنزال، وصواريخ مضادة للدبابات، إلى جانب مشتريات أخرى، وقائمة أمنيات لا سقف لها.

صحيحٌ أن “ترامب” صرَّح بأن دول الخليج لابد وأن تسدد فاتورة تأمين المنطقة، لكن سبقه أوباما في ذلك حين وصف السعودية بأنها راكبٌ مجانيّ. ثم إن ترامب جاء لسدة الحكم في الولايات المتحدة ليجعل الجميع يدفع، وليس دول الخليج فقط، حتى أنه حين زار إسرائيل- طفل أمريكا المدلل- وتحدث عن خططه لزيادة التجارة بين البلدين، استدرك بلهجة مازحة: “لكني سأحاول تضييق ذلك العجز التجاري قليلا.. هل لديكم مانع؟”.

صحيحٌ أن حجم هذه الصفقة هائل، بل هي أكبر عملية بيع أسلحة في التاريخ، لكن تصدير الذخائر الموجهة بدقة مثلا كانت تمت الموافقة عليه من قبل أن يصبح ترامب رئيسًا، رغم معارضة الرئيس السابق باراك أوباما تحت ضغوط حقوقية، حسبما تشير مجلة جينز العسكرية.

وبالطبع مبلغ 110 مليار دولار ليس بالقليل، حتى من وجهة نظر مساعد الرئيس ترامب لشؤون السياسات الاقتصادية، غاري كوهين، الذي لم يتمالك نفسه أمام الصحفيين وهو يتحدث عن حجم الصفقة قائلا إنها تمثل “الكثير من المال.. دولارات كثيرة. دولارات كثيرة”.

الدوافع والحدود

يطرح هذا التاريخ سؤالا هاما آخر: لماذا هذه الطفرة في الإنفاق الدفاعي الخليجي؟ هل خوفًا من إيران كما يشير الباحث بيتر ويزمان من معهد ستوكهولم؟ أم خشية عدوى الثورات الشعبية كما يقول بن موريس من مجلة IHS Jane العسكرية؟

هل هذه الشراهة الخليجية لتكديس السلاح الغربي تستحق وضعها تحت بند “التأمين” أم في مربع “الاستنزاف”؟ وهل تصبّ هذه المشتريات باهظة التكلفة في مصلحة الشعوب الخليجية حقًا، وهل هذا التوجه مناسب في ظل خطط التقشف القاسية التي جعلت الشكوى تدق حتى أبواب الأثرياء؟

هذه أسئلة موضوعية يطرحها البعض ممن يرون أن العرب في عالم اليوم يساقون بسياط الخوف على درب الخضوع، وفي حظيرة الخوف يعقدون التحالفات مع ألد أعدائهم، وبمخالب الخوف تُحلَب خزائنهم، وعلى مذابح الخوف يُقدِّم الأخ دم أخيه قربانًا؛ أملا في النجاة؟

وإذا كان توبي دودج، الزميل بارز في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لشؤون الشرق الأوسط، يعتقد أن الطموح الخليجي في بسط النفوذ الإقليمي تم احتواؤه؛ بسبب ارتفاع التكاليف وقلة الإمكانيات، فإن هذا يقودنا إلى سؤال مهم آخر: إلى أي مدى تبلغ كفاءة الجيوش الخليجية في استخدام هذه الأسلحة باهظة التكلفة؟

ريادة أمريكية

“على مدى السنوات الخمس الماضية، تحولت معظم دول الشرق الأوسط في المقام الأول إلى الولايات المتحدة وأوروبا في إطار السعي الحثيث لامتلاك قدرات عسكرية متطورة”، بحسب بيتر ويزمان، الباحث البارز في برنامج الأسلحة والإنفاق العسكري في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي (سيبري).

“وعلى الرغم من انخفاض أسعار النفط، واصلت دول المنطقة طلب المزيد من الأسلحة في عام 2016، باعتبارها- من وجهة نظرهم- أدوات حاسمة للتعامل مع الصراعات والتوترات الإقليمية”.

بحصتها البالغة 33% من إجمالي صادرات الأسلحة، كانت الولايات المتحدة أكبر مُصَدِّر للسلاح في الفترة ما بين 2011 و2015؛ لترتفع صادراتها بنسبة 27% مقارنة بـالفترة ما بين عامي 2006 و2010.

يقول الدكتور أود فلورانت، مدير برنامج الأسلحة والإنفاق العسكرى: “مع استمرار الصراعات وتصاعد التوترات الإقليمية، تظل الولايات المتحدة هي أكبر مورد للأسلحة  في العالم. حيث باعت أمريكا أو منحت أسلحة كبيرة لـ 96 دولة على الأقل خلال السنوات الخمس الماضية”.

بالإضافة إلى ذلك، هناك طلبات تصدير ضخمة مُعَلَّقة لدى صناع الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك ما مجموعه طائرات مقاتلة من طراز إف-35 إلى عدد من الدول.

توطين الصناعات العسكرية

في مقابل هذه الريادة الأمريكية، أعلن صندوق الاستثمارات العامة في المملكة إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، لتحفيز نمو القطاع التسليحي ليصبح قادرا على توطين نسبة 50% من إجمالي الإنفاق الحكومي العسكري بحلول عام 2030.

وأوضح ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن الشركة ستؤثر إيجابا على الناتج المحلي الإجمالي للمملكة وميزان مدفوعاتها لأنها ستقود قطاع الصناعات العسكرية نحو زيادة المحتوى المحلي وزيادة الصادرات، وجلب استثمارات أجنبية إلى المملكة عن طريق الدخول في مشروعات مشتركة مع كبريات شركات الصناعة العسكرية العالمية.

وتوقع “بن سلمان”، الذي يرأس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، أن تزيد الشركة الطلب على المنتجات المحلية من المكونات والمواد الخام كالحديد والألمونيوم والخدمات اللوجستية وخدمات التدريب. أما الهدف الإستراتيجي للشركة فهو الوصول إلى مصاف أكبر 25 شركة صناعات عسكرية عالمية في غضون السنوات الـ 13 المقبلة.

بعد هذا الإعلان بأسبوع واحد، شهد منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأمريكي الذي أقيم في الرياض تزامنا مع زيارة ترامب التوصل إلى اتفاق “خطاب نوايا” مع شركة لوكهيد مارتن للاستثمار بقيمة ستة مليارات دولار لتجميع 150 طائرة مروحية من طراز بلاك هوك في السعودية.

فرصة للفساد

السؤال الهام الآخر التي تاه في خضم التندُّر الاختزاليّ والدفاع المضاد متعلقٌ بـ “الشفافية”، وهي الفضيلة الغائبة عن الملكيات الخليجية التي لا يكاد المواطن فيها يعرف حدا فاصلا بين الخزانة العامة وجيوب الملوك والأمراء

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة هامبورج الألمانية، رشيد أوعيسى، لـ دويتشه فيله: “كلما كانت منطقة ما غير مستقرة زاد تسلُّحها، كما لا ننسى أن هذه الصفقات تتيح للنافذين في هذه الدول أهم الفرص لممارسة الفساد”.

ثم هل تستطيع المملكة تحمُّل هذه التكلفة الباهظة في ظل وضعها المالي الراهن؟ وهو التساؤل الذي طرحه موقع ماركت ووتش، مستندًا إلى انخفاض احتياطيات المملكة من النقد الاجنبى بنسبة 30٪، بموازاة عجز مذهل في الميزانية وصل إلى نسبة 13٪ من الناتج المحلي الإجمالي بسبب الإنفاق الزائد، في ظل هبوط أسعار النفط بأكثر من 60%.

حرب اليمن

يلفت سيمون ويزمان، باحث أول في برنامج الأسلحة والإنفاق العسكري، إلى أن الطفرة التسليحية الخليجية في الفترة الأخيرة ترجع في جزء كبير منها إلى حرب اليمن التي يستخدم فيها التحالف العربي أسلحة مستوردة من الولايات المتحدة وأوروبا.

بل إن الأسلحة التي ستحصل عليها السعودية من هذه الصفقة تحديدًا يرجح أن تتوجه إلى اليمن بحسب مجلة تايم الأمريكية، حيث لقى اكثر من 10 آلاف شخص مصرعهم خلال أكثر من عامين من الضربات الجوية والقتال.

في خضم حوار الطرشان الذي أشرنا إليه آنفًا، غاب الحديث عن الضحايا في صفوف المدنيين الذين يسقطون نتيجة هذه الحرب، ما أثار انتقادات إقليمية ودولية موجهة إلى طرفين:

– التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن؛ بسبب الخسائر البشرية التي تخلفها الغارات الجوية في صفوف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ.

– الدول الغربية المستمرة في تسليح السعودية وحلفائها المشاركين في الحرب، بما يُعتَبَر مشاركةً غير مباشرة في ما يصفه الكتاب الغربيون بأنه “انتهاك للقانون الدولي”.

ملف الخلافة

الملف الآخر الذي ينبغي استحضاره في هذا المقام، بل في كافة التحركات التي تقوم بها السعودية الآن وصاعدًا على كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، هو ملف الخلافة في المملكة: ما بعد سلمان.

ويجدر بمراقب الشأن السعودي أن يستحضر في كل تحرُّك أو صفقة أسماء الثلاثي: محمد بن سلمان، ومحمد بن نايف، وربما متعب بن عبد الله أيضًا، إلى جانب الشخصيات المؤثرة تحت عباءة كل فريق، وبعضها لا يُسَلَّط عليه الضوء إعلاميًا.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم في العمق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: استعادة «الغمر والباقورة».. قمة جبل الجليد في العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …