الرئيسية في العمق لماذا تحتاج السعودية إلى عقيدة دفاعية جديدة؟

لماذا تحتاج السعودية إلى عقيدة دفاعية جديدة؟

3 second read
0

ترجمة: علاء البشبيشي

الحديث عن آثار العنف الذي تشهده العراق على آفاق الاستقرار في العالم العربي لا ينطوي على أي مبالغة. فبمجرد انضمام المعارضين القبليين والبعثيين إلى مقاتلي الدولة الإسلامية للاستيلاء على المراكز الحضرية السنية الكبرى مثل الموصل، تبخَّر الجيش العراقي ببساطة، وفشل حتى في إظهار أي مقاومة شكلية. 

المشكلة التي يمثلها هذا المشهد لجيران العراق هي أن الاضطرابات الحالية قد تتطور لتفرز ما هو أخطر من زعزعة الاستقرار: صراع طائفي، وربما حرب أهلية بين السنة والشيعة. وهو ما يزداد ترجيحًا مع استعداد المالكي لطلب الدعم مرة أخرى من إيران. لكنه بينما يسعى لتعزيز حكومته الشيعية، فإنه يثير توترات أوسع في العالم الإسلامي ما بين الأغلبية السنية والأقلية الشيعية. 

والحال هكذا، من غير المرجح أن تجلس المملكة العربية السعودية في مقعد المتفرج..

 ومع غياب الاستقرار ازداد قلق السعودية العميق، وتضاعف في ظل وجود مؤشرات على أن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين يعيدون تقييم استراتيجيتهم المتعلقة باستعدادهم لاستخدام القوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط (ترددهم متفهم بالطبع، بالنظر إلى الخسائر البشرية التي تكبدتها أمريكا والآخرون، ومئات المليارات من الدولارات التي أنفقوها في محاولة لإسقاط الأنظمة الاستبدادية في العراق وليبيا وأفغانستان). 

ولا شك أن إدارة أوباما تتعامل بحذر بشأن إعادة إرسال قواتها لدعم النظام الشيعي؛ خشية أن تبدوا كما لو أنها تنحاز لأحد طرفي الصراع، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة على المصالح الأمريكية والأوروبية في العالم العربي السني الأوسع. 

يحدث هذا في وقتٍ يبدأ العرب الانعتاق من ماضيهم الاستعماري، المثقل بالحدود الوطنية التعسفية التي ثبت أن الحفاظ عليها مهمة غاية في التعقيد. وبينما تتطلع أمريكا وأوروبا للعب دور أكثر حيادية، تكتشف الدول العربية أن عليها تعلُّم كيفية إدارة شؤونها بنفسها، والبدء في خوض عملية النقاش والتقييم وحل المشكلات التي طال أمد تأجيلها.

صحيحٌ أن الفوضى التي أحاطت بالدول العربية باغتت الجميع على حين غرة، لكن أي متابع للمنطقة عن كثب كان ينبغي له أن يراها مقبلة. وكما أشرتُ في دراسة نشرتها كلية هارفارد كينيدي (مارس 2013) فإن العراق مجرد رقم ضمن مجموعة دول عربية في المنطقة- إلى جانب السودان واليمن وسوريا والصومال وليبيا- إما تتأرجح على شفا الفوضى، أو انزلقت إليها بالفعل. 

وبوضع ذلك كله في الاعتبار، ليس من المستغرب أن تعيد المملكة العربية السعودية- أقوى دولة في العالم العربي- النظر في مكانتها الشرق أوسطية، وكيف يمكنها الاستجابة لما يجري حولها، وهو ما يتطلب أن يكون الملف الدفاعي جزءًا أساسيًا من هذا النقاش. 

لكن ما شكل العقيدة الدفاعية التي تحتاج إليها السعودية بإلحاح؟ 

هناك أربع نقاط أساسية ينبغي أن تعتمد عليها هذه الانطلاقة:

(1) تأمين الحدود:

حجم السعودية وقوتها الاقتصادية تجعلها في وضع فريد لقيادة العالم العربي المتطور، إلى جانب استثمارها الكبير في تطوير قدرتها العسكرية بهدف تأمين حدودها الشمالية والجنوبية، وكذلك الممرات البحرية المحيطة والحيوية جدًا لتجارة الطاقة العالمية وتحقيق الاستقرار للنظام المالي الدولي. بل إن السعودية تجاوزت بريطانيا في عام 2013، وأصبحت رابع أكبر دولة إنفاقا على الدفاع في العالم.

(2) بسط النفوذ:

صحيحٌ أن تأمين حدود المملكة أمر بالغ الأهمية، لكن بسط النفوذ يعتبر أيضًا أحد القدرات الهامة للدولة، بما في ذلك قدرتها على خوض صراع متزامن على جبهتين، إذا اضطرت لذلك، بينما لا تزال قادرة على الدفاع عن الوطن. وفي ظل الاضطرابات التي تواجه المنطقة في الوقت الراهن، لا يبدو مثل هذا السيناريو بعيد المنال، على الأقل في المدى المتوسط.

(3) مكافحة الإرهاب:

وفي الوقت ذاته، يأتي تقدم الدولة الإسلامية ليعيد التذكير بأن قدرات مكافحة الإرهاب تمثل عنصرًا أساسيًا في دفاع أي دولة. فالجحافل المسلحة التي سيطرت على ثاني أكبر مدن العراق ليست جيوشًا نظامية، ولذلك من الضروري أن تواصل السعودية استثماراتها فيما يعتبر بالفعل أكبر وأكفأ برنامج لمكافحة الإرهاب في العالم، لضمان مواجهة التهديد داخل وخارج المملكة.

(4) دعم الشركاء الإستراتيجيين:

أخيرًا، يجب أن تتمحور أي عقيدة دفاعية عسكرية سعودية حول التزام المملكة بدعم شركائها الإستراتيجيين، وهو ما تشير الدلائل إلى أن السعودية تدركه وتطبقه، مثلما فعلت في البحرين عبر مجلس التعاون الخليجي. ومن المرجح أن تزداد هذه التحركات خاصة وأن عددًا من الدول العربية الضعيفة، الفاشلة أو على أعتاب الفشل، تواجه حركات تمرد متنامية.

وبينما يتأرجح الجار الشمالي للمملكة على حافة الانهيار الكلي، يجب على السعوديين الاستعداد للأسوأ حتى وهم يدركون أنهم يواجهون تحديات أخرى لا تعد ولا تحصى بما في ذلك الحرب الأهلية في سوريا وليبيا، والحركات الثورية المدعومة من إيران في المنطقة، والمنظمات الإرهابية، والاضطرابات الاجتماعية في اليمن وأفغانستان، والأوضاع السياسية الواهية للغاية في باكستان ومصر والأردن ولبنان وتونس والبحرين.

صحيحٌ أن طراز العقيدة العسكرية المشار إليه أعلاه يجب أن يكون مرنًا وقادرًا على التكيف مع الحقائق المتغيرة باستمرار في الشرق الأوسط والعالم المسلم الأوسع، لكن إذا اتَّبَع السعوديون هذه المبادئ العامة، يرجح أن يكونوا في وضع يساعدهم على أن تبقى المملكة دولة قومية قوية وآمنة، تكون بمثابة مرساة للاستقرار في العالم العربي.


* نواف عبيد- محلل سياسي سعودي، عمل مستشارًًَا للأمير محمد بن نواف، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة المتحدة، كما عمل أيضا مستشارًا للأمير تركي الفيصل، الذي شغل منصب السفير السعودي في الولايات المتحدة، ومدير الاستخبارات العامة منذ فترة طويلة في المملكة العربية السعودية. كما أدار سابقاً مشروعا لتقييم التحديات الجيوسياسية وتحديات الطاقة التي تواجه المملكة العربية السعودية الذي استغرق ثلاث سنوات. زميل زائر في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بكلية كيندي للعلوم الحكومية في جامعة هارفارد، ابتداء من 1 ديسمبر 2012.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم في العمق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: استعادة «الغمر والباقورة».. قمة جبل الجليد في العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …