في العمق السعودية والعراق.. إعادة تقييم جذرية للسياسة الخارجية لـ العالم بالعربية منشور في 2 second read 0 شارك على Facebook شارك على Twitter شارك على Google+ شارك على Reddit شارك على Pinterest شارك على Linkedin شارك على Tumblr ترجمة: علاء البشبيشي نشر موقع الجزيرة بالإنجليزية مقالا لـ إبراهيم المرعشي (الأستاذ المساعد في قسم التاريخ بجامعة ولاية كاليفورنيا، سان ماركوس، وهو مؤلف مشارك لدراسة بعنوان “القوات المسلحة العراقية: تاريخ تحليلي”) تحت عنوان “السعودية.. مناورة سياسية جريئة”، استهله بالقول: إن إعادة فتح السفارات السعودية في العراق يعكس عملية إعادة تقييم جذرية للسياسة الخارجية السعودية. ربما تكون التقارير الأخيرة التي أشارت إلى إعادة فتح السعودية سفارتيها في بغداد وإربيل، شأنا دبلوماسيًا متأخرًا، بل وعاديًا، لكن هذا الخبر يجسد تطورًا في السياسة الخارجية السعودية حيال العراق. فمنذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وبغداد بعد غزو صدام حسين الكويت عام 1990، فشلت السعودية في إعادة فتح منشآتها الدبلوماسية في العراق نظرا إلى التوتر الذي أعقب ذلك مع حكومة ما بعد البعث. لذلك تعتبر الأنباء الأخيرة إشارة إلى أن الرياض قد توصلت أخيرا إلى اتفاق مع الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد، فيما تسعى الآن إلى أن يكون لها تواجد في العراق للتأثير على التطورات هناك على الصعيدين الرسمي والثنائي. ومن حيث ديناميكيات السلطة الإقليمية، أثَّر سقوط حكومة صدام حسين في عام 2003 على جميع الدول المجاورة للعراق: – كان على الأردن وسوريا التعامل مع تدفق اللاجئين العراقيين. – فيما خشيت سوريا وإيران أن تستخدم إدارة بوش العراق كقاعدة لزعزعة استقرار نظاميهما. – وخشيت أنقرة والرياض أن تمكين الأكراد والشيعة في العراق بعد 2003 قد يثير تطلعات مماثلة لدى السكان الأكراد والشيعة في تركيا والسعودية. مسألة خلافية وكان إعادة فتح السفارات في بغداد بعد الاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة مسألة خلافية في أوساط الجهات الفاعلة الإقليمية بمنطقة الشرق الأوسط: – كان السياسيون الجدد في العراق يحثون الدول والمنظمات العربية المختلفة على إعادة فتح سفاراتها في بغداد؛ من أجل إضفاء بعض الشرعية الإقليمية على الحكومة العراقية الوليدة. – لكن الجامعة العربية ترددت في إعادة فتح منشآتها الدبلوماسية في بغداد كوسيلة غير مباشرة للاحتجاج على حقيقة أن عاصمة عربية كانت تحت السيطرة الأجنبية. – وطلبت بغداد من سوريا مرارا فتح سفارتها في بغداد، على أمل أن تنهي العلاقات الدبلوماسية سياسة سوريا المتعلقة بمنح اللجوء للبعثيين السابقين ودعم التمرد في العراق فورًا بعد الغزو عام 2003. – وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، لم يكن فشلها في فتح سفارتها في بغداد يتعلق كثيرًا بتواجد قوات الاحتلال الامريكي في عاصمة عربية، وإنما وسيلة احتجاج على صعود حكومة جديدة يقودها الشيعة في العراق. فبعد الثورة الإيرانية عام 1979، بدأ شيعة المملكة يحتجون ويطالبون الحكومة السعودية بمزيد من الحقوق، وكان الخوف في الرياض من أن صعود حكومة يقودها الشيعة في العراق قد يشعل احتجاجات مماثلة في عام 2003. صحيح أن المخاوف السعودية من تجدد الاضطرابات في أوساط الشيعة في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط هي قضية داخلية ومحلية، لكن مع ذلك، مثَّلت الحرب على العراق عام 2003 نكسة للسياسة الخارجية على المستوى الإقليمي. النفوذ الإيراني كان العراق في عهد صدام حسين، حتى بعدما اعتراه الضعف بعد عام 1991، بمثابة منطقة عازلة ضد إيران، التي تنافس الرياض على الهيمنة الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأكبر منذ 1979، ويخوضان حربا بالوكالة من لبنان إلى باكستان. لكن بعد عام 2003، شهدت السعودية: (1) تنامي النفوذ الإيراني في العراق، الذي دعم أول حكومة يقودها الشيعة في بغداد، (2) بالإضافة إلى تأثير إيران على أحداث التمرد الحوثي في اليمن، التي تعتبرها السعودية حديقتها الخلفية. ولم يتجاوز النفوذ الإيراني المملكة العربية السعودية على جانبي الحدود فحسب، بل اعتبرت الرياض احتجاجات الربيع العربي في البحرين مشروعًا مدعومًا من ايران. وأخيرا، بدت طهران على أعتاب ليس فقط البرنامج النووي، ولكن أيضا على وشك التوصل إلى علاقة عمل- بحكم الأمر الواقع على الأقل- مع الولايات المتحدة في المنطقة. وبعدما كانت المملكة العربية السعودية مترددة في البداية بشأن تحدي الوضع الراهن عبر دعم الاحتجاجات والتمرد ضد الرئيس السوري بشار الأسد، ألقت بثقلها إلى جانب المتمردين. وفي هذه الحرب بالوكالة، هزمت إيران أيضًا طموحات السعودية بالحفاظ على الحكومة القائمة في دمشق. هذا الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط وصفه ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، بأنه “حرب الثلاثين عاما في الشرق الأوسط”، أو كـ حرب باردة طائفية جديدة تشنها إيران والسعودية. وبالنسج على هذا القياس؛ يتأكد أن إيران تفوز بهذا الصراع. ومن هذا المنظور، تبرز أخبار إعادة فتح السفارات السعودية في سياق إعادة تقييم سياسة الرياض الخارجية، التي صادفت تواجد الملك عبد الله في المستشفى، وظهور مخاوف مما يعنيه هذا بالنسبة للقيادة المستقبلية للمملكة. دبلوماسية هادئة ومع ذلك، فإن قرار إعادة فتح السفارات يعكس فترة طويلة من الدبلوماسية الهادئة التي سبقت الحالة الصحية للملك. حيث ظهرت أول إشارة على بداية التعاون بين إيران والسعودية حول مستقبل العراق بعد هجوم داعش على الموصل في صيف عام 2014؛ حين اتفقت طهران والرياض على حيدر العبادي كبديل لرئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي. ويمثل هذا الاتفاق تطورًا على الجانب السعودي، كما يتضح من برقية ويكيليكس، حيث أعرب الملك عبد الله عن كراهيته الشخصية للمالكي في لقاء مع مسؤولين أمريكيين. وعلى المستوى الثاني العراقي-السعودي، ذاب الجليد عن العلاقة بينهما بعدما زار الرئيس العراقي جلال الطالباني الرياض واجتمع مع الملك في نوفمبر عام 2014، وتم التوصل إلى اتفاق بين السعودية والعراق لمكافحة داعش. وهو اتفاق هام؛ بالنظرا إلى عدد العراقيين في الدولة والمجتمع الذين يلقون باللائمة في صعود داعش على السعودية في المرتبة الأولى باعتبارها الحاضنة المالية والأيديولوجية لهذه المجموعة. على سبيل المثال، شجعت إعلانات الخدمة العامة في العراق العراقيين على الإبلاغ عن الإرهابيين “الأجانب”، مستشهدة بصورة رجل ملتحٍ بثوبٍ قصير، يوزع الأموال على العراقيين المحليين، بهدف إثارة المشاكل في العراق. وهكذا يبدو أن العراق وإيران والسعودية توصلوا إلى استنتاج مفاده: أن الأمر عندما يتعلق بمكافحة داعش، يتعين على الأطراف الثلاثة الوصول إلى تسوية مؤقتة. شؤون خليجية