الرئيسية في العمق تركيا والسعودية.. تعاون تكتيكي رغم التنافس على القيادة السنية

تركيا والسعودية.. تعاون تكتيكي رغم التنافس على القيادة السنية

0 second read
0

ترجمة: علاء البشبيشي
* الخلاصة:
بينما تسير طهران على درب تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وتنوي واشنطن تخفيف أعبائها في الشرق الأوسط؛ تقع مسئولية كبح جماح الطموحات الإيرانية على عاتق الدولتين السنتين ذواتي الثقل في المنطقة: الرياض وأنقرة.
وبقيادتها لعملية عاصفة الحزم في اليمن، انتقلت المملكة العربية السعودية بوضوح إلى دائرة الضوء؛ كزعيمٍ للعالم العربي السني، لديه الاستعداد لدعم أقواله بالأفعال في مواجهة إيران. في الوقت ذاته، كانت تركيا أكثر تحفظًا في تحدي طهران، وتمسكت بأساليب تتسم بالدهاء، مثل: دعم قوات المتمردين الإسلاميين في سوريا، وعمَّقت بَصْمَتها الاقتصادية في كردستان العراق، بموازاة عملها المباشر مع الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في العراق.
لكن تركيا تشعر بأن نجم السعودية الصاعد بدأ يلقي بوطأته عليها.
(1) فمن جهة، لا تريد أنقرة أن تكون شريكا للرياض، وأقل منه رغبتها في أن تصبح شريكًا من بين كثيرين في التحالف الذي تقوده السعودية.. بل تريد أن تتولى القيادة بنفسها.
 (2) ومن ناحية أخرى، فإن البيئة التركية شديدة الاستقطاب تجعل من الصعب على أنقرة المشاركة في عمل عسكري محفوف بالمخاطر خارج حدودها؛ ما يعزز الاعتقاد بأن السعودية هي التي تقود الحراك، بينما تبقى تركيا على الهامش.
* التحليل:
في محاولة للتعويض عن نقص مشاركة تركيا في التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، صرَّح الرئيس رجب طيب أردوجان بعدم قبوله لـ”محاولة إيران السيطرة على المنطقة”. وهو الانتقاد النادر في صراحته الذي تطلقه تركيا في وجه إيران؛ حيث كانت أنقرة تفضل بدلا من ذلك الحفاظ على علاقة ودية مع إيران في الظاهر، حتى وإن كان البلدان يتنافسان في عدد من ساحات القتال. ورغم ذلك لم يتراجع أردوجان عن خططه لزيارة طهران، أو يخرج البلدان عن الإطار العام. بيد أن البيئة الإقليمية ستدفع تركيا على الأرجح إلى اتخاذ موقف أكثر حِدِّيَّة فيما يتعلق بطهران، في سياق التنافس التركي على لعب دوري قيادي في العالم السني.
لكن أوراق الاعتماد التركية لا تزال موضح تساؤل، على الأقل في المدى القريب. فعلى الرغم من أن أنقرة تسير على درب التعاون العسكري الوثيق مع واشنطن في التعامل مع تهديد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، فإن رؤيتها للفصائل السياسية التي تفضل وصولها للسلطة سوف تصطدم بطبيعة الحال مع حرص السعودية والإمارات والكويت على منع الإسلاميين (طراز الإخوان المسلمين) من تحدي حكوماتهم. لكن تركيا تخوض لعبة طويلة الأمد في المنطقة، وتعلم أن الإسلاميين في مصر وسوريا ومنطقة الخليج لا يزالون يمثلون قوة سياسية لا يستهان بها في المستقبل. والمملكة العربية السعودية في عهد الملك سلمان أكثر من يدرك هذه الحقيقة، لذلك حاولت التوصل إلى تسوية مع قطر، المؤيد الآخر للتيار الإسلامي السائد في المنطقة.
بإمكان تركيا الاستفادة من زيادة مرونة الموقف السعودي في التعامل مع جيرانها العرب، وعرض تعاون انتقائي في العراق وسوريا، حيث تتركز المصالح التركية. ذلك أن أنقرة تعتبر أحد المكونات الرئيسية لبرنامج تدريب المتمردين، الذي يشمل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والأردن وقطر. كما قدَّمت تركيا دعمًا لوجستيًّا عبر بغداد لهجوم الموصل، وتُجري محادثات مع الولايات المتحدة بشأن طائرات بريداتور المسلحة بدون طيار المنطلقة من قاعدة إنجرليك الجوية. صحيح أن هذه خطوات صغيرة، لكن النشاط العسكري التركي في المنطقة يتوسع بمرور الوقت.
في الوقت الراهن، تمسك المملكة العربية السعودية بزمام الأمور في منطقة الشرق الأوسط. وحتى مع هبوط سعر النفط إلى 50 دولارا للبرميل، ما زال السعوديون يحققون ربحًا من إنتاج الذهب الأسود. وبوجود احتياطيات نقدية كبيرة، إلى جانب دعم عسكري من قوات عربية مؤهلة مثل الإمارات العربية المتحدة، تستطيع الرياض إعادة تشكيل التوقعات القائلة بأن جيوش الخليج مصنوعة من ورق، وتعتمد على الرعاية الأمريكية.
لكن حتى مع ذلك، لا تمتلك المملكة العربية السعودية حلًا سهلًا لمشكلة اليمن المستعصية. صحيح أن الحملة العسكرية في اليمن أظهرت العزم السعودي على احتواء التوسع الحوثي، لكن المملكة لن تكون قادرة على النأي بنفسها عن مجموعة التهديدات التي تغلي في الجنوب من خلال الحملة الجوية وحدها. بل ولا السعودية مستعدة للمخاطرة بالتدخل البري الشامل لتحييد التهديد واحتلال الأراضي المعادية.

في نهاية المطاف، من المرجح أن تجلس السعودية على طاولة المفاوضات مع الحوثيين.. وهذا هو بالضبط ما تأمله إيران.
في هذا الصدد، حصل مركز ستراتفور على معلومات تفيد بأن مسقط استضافت تفاوضًا عبر القنوات الخلفية بين إيران والسعودية. ولا غروَ؛ فـ عمان، التي اختارت عدم المشاركة في العملية العسكرية للحفاظ على حيادها، تعتبر قناة مثالية لمثل هذه المناقشات، كما أثبتت أنها وسيط موثوق في محادثات القنوات الخلفية بين ايران والولايات المتحدة.
ومن المحتمل أن تشمل أي مفاوضات بين إيران والسعودية قضايا مثل:
(1) انسحاب الحوثيين من صنعاء وعدن،
(2) وإصدار قرار بشأن القوات المسلحة الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح،
(3) وتقديم تنازلات سياسية للحوثيين فيما يتعلق بتشكيل حكومة جديدة.
في المقابل، يمكن لإيران انتزاع تنازلات من المملكة في العراق وسوريا.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت المحادثات بين الرياض وطهران يمكن أن تؤدي إلى تسوية سياسية لنزع فتيل الصراع اليمني، أو حتى إذا كانت ايران تصلح لأن تكون منفذا موثوقًا لمثل هذه التسوية.
وتبقى الأولوية السعودية هي: سحب دعم صالح للحوثيين؛ لجعل صراع اليمن أكثر قابلية للإدارة، بدلا من التنازل للإيرانيين في مفاوضات أوسع نطاقا.
مع ذلك، وحتى في ظل التعاون التركي السعودي بطريقتهما الخاصة لمواجهة النفوذ الإيراني، فإنهما مستمران في التنافس ضد بعضها البعض على القيادة السنية في مواجهة إعادة تأهيل إيران.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم في العمق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: استعادة «الغمر والباقورة».. قمة جبل الجليد في العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …