الرئيسية في العمق التنافس السعودي الإيراني والتوازن الجديد في الشرق الأوسط

التنافس السعودي الإيراني والتوازن الجديد في الشرق الأوسط

0 second read
0

ترجمة: علاء البشبيشي

عندما قررت الولايات المتحدة شن هجمات صاروخية على العراق في سبتمبر 1996، شعرت السعودية بالإحباط؛ ليس فقط بسبب الهجمات ولكن أيضا بسبب الحصار ضد العراق، ورفضت طلبات الولايات المتحدة باستخدام أراضيها كقاعدة لشن الهجمات.

ليس هناك شك في أن المملكة العربية السعودية والعراق في عهد صدام لم يكونا الحلفاء، لكن السعوديين كانوا أيضا مترددين في تقبل سقوط نظام صدام؛ ذلك أن انهياره يتسبب في نهاية الهيمنة السنية في العراق، ويساعد في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة. وهو ما حدث بالضبط بعد الغزو الأمريكي للعراق، عندما استولى الشيعة على الحكومة في عام 2005.

ويعود التأثير السعودي في العراق إلى الحرب العالمية الأولى، التي جلبت الإمبراطورية البريطانية إلى العراق، ومعها الأسرة السعودية. وليس سرا أن الحكومة البريطانية انتهجت خلال الحرب سياسة دعم الثورة العربية التي قادها شريف مكة ضد الدولة العثمانية. وكان فيصل، أول ملوك العراق، هو الابن الثالث للحسين بن علي، شريف مكة.

وفي كتاب “أعمدة الحكمة السبعة”، الصادر بتاريخ 1922، يصف ضابط المخابرات البريطاني الشهير توماس إدوارد لورنس (المعروف باسم لورنس العرب) دوره في الثورة العربية، التي أدت في النهاية إلى تشكيل العراق والإمارات العربية المستقلة التي كان الأتراك يحكمونها سابقا.

لكن حتى بعد تشكيل الشرق الأوسط الجديد في أعقاب الحرب، لم تستقر الأوضاع للهيمنة السعودية على العالمين العربي والإسلامي دون منازع. فبعد قيام الثورة في إيران عام 1979، تحدّت الجمهورية الإسلامية الرؤية والمصالح السعودية في المنطقة؛ انطلاقًا من الفكر الشيعي الثوري. وظلّت كل دولة منهما تدَّعي لنفسها القيادة والوصاية على المسلمين في المنطقة. ورغم أنهما لم يخوضا حربًا ضد بعضهما يومًا، تعتبر كلا الدولتين الأخرى عدوا، وتتصرف وفقًا لذلك، وهما ينخرطان في حرب بالوكالة ضد بعضهما البعض.

وحتى ثورة 1979 في إيران، كان كلا البلدين حليفًا مقربًا لواشنطن، وكان التنافس بينهما محدودًا. لكن إيران أنهت التحالف مع الولايات المتحدة بعد الثورة، وبدأت في تصدير نظامها اعتمادا على المشاعر المعادية للولايات المتحدة والصهيونية/إسرائيل، من أجل بناء تحالفات سياسية وحتى تشكيل خلايا تجسس.

وفي مواجهة ادعاء المملكة العربية السعودية بالوصاية على المدن المقدسة في الإسلام، مكة المكرمة والمدينة المنورة، تتحدى إيران السعودية، واصفة إياها بالفساد والعمل لصالح “الشيطان الأكبر” أمريكا.

ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن إيران حاولت إيجاد موطئ قدم لها في الدول العلمانية، مثل تركيا على سبيل المثال، من خلال نشر مشاعر مماثلة خلال عملية تشكيل الإسلام السياسي؛ بحجة أن المؤسسة العسكرية الكماليّة تمثل امتدادًا للإمبريالية الأمريكية.

وقد أدى الموقف الأمريكي المناهض للثورة الإيرانية، وأزمة الرهائن، إلى أن نتهج الولايات المتحدة سياسة خارجية موالية للسعودية في الشرق الأوسط؛ ما أدى في نهاية المطاف إلى عزل إيران عن العالم الغربي.

لكن منذ عام 2012، أظهر صناع السياسة الخارجية الأميركية ميلا إلى تغيير هذا التوازن لصالح إيران. وكان أول إشارة لهذا التحول؛ تعيين تشاك هاجل وزيرًا للدفاع، صاحب فكرة عقد محادثات مع إيران منذ عام 2004. وبدوره عدَّل الرئيس الأمريكي باراك أوباما رؤيته من عزل إيران إلى حملها “على العمل بطريقة مسئولة”.

ونتيجة لهذا التحول عيَّن العاهل السعودي الملك عبد الله، يوسف الإدريسي في رئاسة الاستخبارات بدلا من الأمير بندر بن سلطان. وهي الخطوة التي ترجمتها إيران باعتبارها إطاحة بشخصية كانت مناهضة لها. كما كان الأمير بندر سفير السعودية السابق لدى الولايات المتحدة، وعلى دراية تماما بالشبكة السعودية في أمريكا، وحظي بعلاقات وثيقة مع الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.

ومثلما فعلت المملكة العربية السعودية، دعمت تركيا المجموعات السورية المتمردة، وانخرطت في حرب بالوكالة ضد سوريا، المدعومة إيرانيًا. ومما لا شك فيه أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خسر هذه الحرب بالوكالة ضد إيران، مثل السعوديين.

أما الرؤية الأمريكية المتعلقة بإجراء محادثات نووية مع إيران فتشهد تطورا إيجابيا. ورغم أن دمج طهران سيمثل تقدمًا للسلام العالمي، ينبغي أن تضع حكومة الولايات المتحدة في الحسبان أيضا في أن التوسع الإيراني يمكن أن يشعل اضطرابات في المنطقة. ويبدو أن صعود الدولة الإسلامية في العراق والشام وثيق الصلة جدا بهذا التوازن الجديد في المنطقة.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم في العمق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: استعادة «الغمر والباقورة».. قمة جبل الجليد في العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …