الرئيسية أقليات مسلمو جنوب تايلاند.. آلام وآمال

مسلمو جنوب تايلاند.. آلام وآمال

0 second read
0

علاء البشبيشي

تعاني الأقليّات المُسلمة حول العالم من اضطهاداتٍ منظَّمة، حوَّلت حياة المسلمين في بلدان كثيرة إلى سجنٍ كبير، وكان ما أسماه بوش”الحرب على الإرهاب”، بمثابة ضوء أخضر لكلّ الحكومات أن تفعل ما يحلو لها من قمعٍ, وتشريدٍ بالمسلمين؛ بصفتهم خطرًا لا يقبل التكيف مع المتطلبات الأمريكية لإعادة صياغة العالم. حتى صرنا إزاء مواقف حادة من نُظم كان معروفًا عنها الاستنارة, والتسامح فهذا الموقف الفرنسي من الحجاب, ومنع ارتدائه، وتلك المحنة التي يواجهها المسلمون في أمريكا ذاتها، حيثُ يواجهون يوميًا حملات عنصرية في كافة مجالات الحياة، وفي ألمانيا حيث يواجه المسلمون تضييقًا عليهم، ويُنظر إليهم باعتبارهم خطرًا ديمغرافيًا.
استهدافٌ مباشر
تايلند تمثِّل حالة نموذجية في هذا السياق، فهي تسعي للقيام بدورٍ إقليمي في منطقة جنوب شرق آسيا على حساب إندونيسيا، مستغلّةً العنوان الأمريكي (الحرب على الإرهاب)، لتستهدف الأقليّة المسلمة الكبيرة، حتى صار كلّ مسلمٍ في الجنوب موضع شكٍّ بصفته- وفق المعايير الأميركية – مشروعًا لإرهابي.
بدأ الأمر بالقبض العشوائي على كلِّ من يُبدي ميولًا إسلامية ظاهرة مثل إطلاق اللحى, أو لبس الملابس البيضاء, أو ارتداء الحجاب، أو الانخراط فيما يُعدّ نموًّا عاديًّا لظاهرة التدين الإسلامي؛ مثل بناء المساجد, أو الحج، أو القيام ببعض الأنشطة الاجتماعية, والثقافية العادية.
في حين لم تسمع الحكومة التايلاندية لمطالب المسلمين في الجنوب بعدم التوسع في المشاريع السياحية التي تهدد تقاليدهم التي تحترم الدين, والعادات، هذا فضلًا عن جَهدِها في التعاون مع المخابرات الأميركية في القبض على مطلوبين إسلاميين يتجولون في المنطقة الواسعة، أو حتى اصطناع قضايا ذات طابعٍ إرهابي؛ لتقديم نفسها كرقمٍ إقليميٍ مهم, وحليفٍ لا يمكن الاستغناء عنه.
في حين لم تسمع لمطالب المسلمين في الإقليم بعدم التوسع في المشاريع السياحية التي تهدد تقاليد المنطقة التي تحترم الدين, والعادات، هذا فضلًا عن جَهدِها في التعاون مع المخابرات الأميركية بشأن القبض على مطلوبين إسلاميين يتجولون في المنطقة الواسعة، أو حتى اصطناع قضايا ذات طابعٍ إرهابي؛ لتقديم نفسها كرقمٍ إقليميٍ مهم, وحليفٍ لا يمكن الاستغناء عنه.
مظلة أمريكية
وفي نفس الوقت استجابةًً للضغوط الأمريكية التي ترى أن جنوب تايلند منطقةٌ تعمل فيها الجماعات الإسلامية، التي تُصنِّفها أميركا كجماعاتٍ إرهابية، ونتيجةً لتعرُّض المسلمين للاضطهاد, والتمييز, والحرمان من حقوقهم السياسية, والاجتماعية, والثقافية؛ ظهرت حركات انفصالية في الإقليم الجنوبي، تقف ضدّ عنف الدولة وبطشها لطمس الهُويّة الثقافيّة والاجتماعيّة للمسلمين لصالح الدولة البوذيّة القوميّة. هذا العنف الرسمي المدعوم بالمطالب الأميركية من ناحية, والذي يخدُم الاستراتيجية الجديدة لتايلند كفاعلٍ إقليميٍ من ناحيةٍ أخرى، قاد إلى إحياء “الجبهة المتّحدة لتحرير فطاني”، كما قاد إلى تصاعد موجات التمسك بالهُوية الإسلامية في المنطقة كآليّة دفاعٍ وردٍ على محاولات المملكة السياميّة، التي تهدد الوجود الإسلامي في جنوب تايلند.
وبدأ ما يمكن أن نطلق عليه “ميلاد دورات العنف”، حيثُ يسعى المسلمون للقيام بمظاهرات، للمطالبة بمطالب عامّة لدفع سياسة الدولة الجديدة, أو إيقافها خاصّة مع مجيء رئيس الوزراء تاكسين شيناواترا للحكم عام 2001، والذي غذَّى موجات أصولية ذات طابعٍ بوذيّ بين قطاعات واسعة من الشعب التايلندي ضدّ المسلمين في الجنوب. ويتضح هذا في مشاهد العنف المريعة التي يرتكبها الجيش والشرطة بحقّ المسلمين.
اختطاف وتعذيب وقتل
بالإضافة إلى ذلك يقوم الجيش التايلندي باختطاف المسلمين في الجنوب؛ بهدف نشر الخوف بين أفراد الأقلية المسلمة. وقد اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش التايلاندي بانتهاج سياسة “الاختفاء القسري” بحقّ المسلمين في الولايات الجنوبية؛ بهدف إضعاف الجماعات المسلحة، ونشر الخوف بين أفراد الأقليّة المسلمة.
وطالبت المنظمة الدولية الحكومة التايلاندية الحالية بالعمل على نبذ هذه السياسة, ومكافحتها، والقضاء عليها. وقال براد إدامزر ـ مدير منظمة العفو الدولية في آسيا ـ : “إن عمليات الاختفاء القسري تظهر كسياسة تُنتهج من قِبل السلطات، وليس مجرد تجاوزات من عناصر قوات الأمن”.
وحمَّل تقرير للمنظمة قوات الأمن التايلاندية مسؤولية اختفاء العديد من المسلمين، وأكدت المنظمة أن عدد حالات الاختفاء أكبر بكثير مما يعلن عنه، مشيرةً إلى أن العديد من الأسر تخشى بشدّة من أن تفصح عن حالات الاختفاء الأخرى. وتقول المنظمة: إن العديد من الأشخاص المسؤولين الذين يقفون وراء عمليات تعذيب، واختفاء مازالوا يحتفظون بمناصبهم.
وذكرت مجموعة الأزمات الدولية – التي مقرُّها بروكسل – في تقريرٍ لها أن تقارير ذات مصداقية بشأن عمليات تعذيب, وقتل غير قضائية، وقعت بحقّ مسلمين في الولايات الجنوبيّة.
يكفي أن حادثًا واحدًا قُتل فيه داخل حافلات مغلقة أكثر من (80) مسلمًا بعد القبض عليهم في مظاهرة؛ احتجاجًا على اعتقال مسؤولين محليين بدعوى دعم الجماعات المسلحة في المنطقة.  وقُتل في ذات المظاهرة سبعة مسلمين برصاص الجيش، الذي أطلق الرصاص المباشر على الأجساد, وليس فوق الرؤوس، وكان ذلك في شهر رمضان. وتحدَّث رئيس الوزراء حينها عن الواقعة، فقال: إن المسلمين قُتلوا بهذا الشكل؛ بسبب ضعفهم البالغ؛ لأنهم كانوا صائمين، واعتبر ما قامت به قوات الجيش والشرطة عملًا رائعًا!
كما نقلت صحيفتى (واشنطن تايمز), و(أسوشيتد برس) خبرًا يفيد بأن مائة من مسلمي الجنوب فوجئوا أثناء تأديتهم لصلاة الفجر أحد الأيام بقنبلة تنفجر فى المسجد، وقد وُصِف الهجوم من المتحدث الرسمي للجيش بأنه هجومٌ موجَّه من قِبل ما لا يقلّ عن (10) أشخاص بوذيين فروا بعد ارتكاب جريمتهم فى سيارة كانت تنتظرهم.
عنفٌ يعزز الانفصال
هذا العنف الذي وُصف من جانب المنظمات الحقوقيّة العالميّة, وفي تايلند ذاتها، بأنه مستوًى مريع من استخدام القوة “غير المبررة” ضد المسلمين، سوف يولِّد موجات عنف مضادة، تعزِّز المطالب الانفصالية في الإقليم، خاصّة وأن أقاليم مجاورة مثل ميندناو في الفلبين، تطالب بالانفصال.
وعلى الرغم من استقلال إقليم “تيمور الشرقية” الكاثوليكي عن إندونيسيا المسلمة بدعمٍ غربي أوروبي وأميركي، فإن المطالبة بالمثل فى جنوب تايلاند يُقابل بانتهاكات أقل مايقال فى حقها أنها جرائم حرب، مع أن هذا المطلب له مايؤيده في الواقع التاريخي والجغرافي، خاصة وأن فطاني والأقاليم المسلمة في الجنوب هي تعبير عن وحدة سياسية لها طابع مستقل بشكل كامل عن تايلند. إلاّ أن سياسة الكيل بمكيالين تجد لها موضعًا كلما كان للمسلمين مطلب، وهو أمر فيه تمييز واضح.
بناءً على هذا صرّح محللون سياسيون أن هذا الوضع المؤسف يقود إلى انفجار ما يمكن أن نطلق عليه “صدامًا حضاريًّا” حقيقيًا بين المحيط الملاوي المسلم كله, وبين المحيط البوذي الذي ينتشر في دولٍ عديدة.
تحدياتٌ تواجه فطاني
ويبرز العديد من التحديات ضدّ المسلمين في فطاني خاصّة، حيثُ تحاول السلطات البوذية التايلاندية إضعاف شوكة المسلمين, وإذابتهم في الكيان التايلاندي، ومن هذه التحديّات:
* تغير أسماء المسلمين, وتغير أسماء القرى, والولايات، وإلغاء حجاب المرأة.
* تهجير السلطات للتايلانديين البوذيين إلى فطاني؛ للحد من الأغلبية المسلمة.
* إضعاف اقتصاديات المناطق المسلمة، وذلك بتمليك أخصب الأراضي للبوذيين.
* محاربة التعليم الإسلامي، ومحاولة فرض اللغة التايلاندية في دواوين الحكومة.
* تشجيع التنصير, والبعثات التنصيرية للعمل في البلاد.
* الدسّ الرخيص وتزييف الكتب الإسلامية، التي تطبعها الحكومة.
تاريخ وجغرافيا
وتايلاند ذات الأغلبية البوذية يشكل المسلمون فيها 5% من إجمالي السكان الذي يبلغ (64.6) مليون نسمة، ويتركز المسلمون في (3) ولايات في أقصى جنوب تايلاند، يمثلون الأغلبية فيها وهي: فطاني، وسكانها من العنصر الملاوي, ويعيشون مجتمعًا تعاونيًا في شتى شؤونهم، في أعيادهم, ومآتمهم, وأعمال حصادهم، وإذا عزم أحدهم على بناء مسكن مثلًا اشترك في العمل جميع جيرانه، بل سكان الحيّ أو القرية. وتبلغ نسبة المسلمين في فطاني أكثر من 80% ويبلغ عددهم 3.5 مليون نسمة، بالإضافة إلى يالا، وناراثيوات.
وكانت لتلك الولايات سلطة مستقلة إلى أن ضمتها بانكوك منذُ قرنٍ إليها، ومنذ ذلك الوقت يعاني المسلمون في تلك الولايات من الاضطهاد, والتفرقة في مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك الوظائف، والتعليم وغيرها.
ويمكن أن يكون لماليزيا تأثير فعّال في معالجة الاضطراب الراهن في جنوب تايلاند، في ضوء القواسم المشتركة التي تربط بينها, وبين الأغلبية المسلمة في هذه المنطقة، وفي مقدمتها الدين، والثقافة، والتقاليد، واللغة، والروابط الوثيقة للأسر على جانبي الحدود، وإن كان ذلك يتوقف أيضًا على تحقيق أماني أهل الجنوب في إنهاء التمييز, والقمع, والإهمال الذي تعرضوا له لفترة طويلة, واعترفت به الحكومة الحالية.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم أقليات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: «بابري».. قصة مسجد بناه سلطان مغولي وهدمه الهندوس تقديسًا لـ«الإله رام»

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …