ترجمة: علاء البشبيشي

تحت عنوان “لن يكون هناك وقت مناسب لخفض الدعم” أعدت نشرة جالف ستاتس نيوز تحليلا مختصرًا؛ خلُص إلى أن الحاجة للاستقرار السياسي في ملكيات الخليج ستبقى أعلى صوتًا من المطالبات بإصلاح الدعم؛على الأقل في المدى المنظور، مستشهدة بالهدية السخية الملياريَّة التي خلعها الملك سلمان على السعوديين بمجرد استلامه مفاتيح المملكة، رغم انخفاض أسعار النفط لمعدلات قياسية. 

مع بدء ترجيح كِفَّة التوازنات المالية في بلدان الخليج، نتيجة انخفاض سعر برميل النفط، تبرُز حقيقة مُقنِعَة تقول: إن الفرصة ستكون سانحة جدا لتقليص دعم الطاقة. ففي زمن التقشف النسبي، حيث تجد هذه الحجة الطريق ممهدًا، سوف يسهل على المواطنين قبول أنهم بحاجة إلى تحمل نصيبهم من العبء. 

ولا يمكن للعين إغفال تكلفة الدعم الهائلة التي يتحملها حكام دول مجلس التعاون الخليجي، التي تتبنى نظام دعمٍ هو الأكبر في العالم. فبحسب الوكالة الدولية للطاقة، بلغ متوسط معدل الدعم خلال عام 2010: 75.3% في قطر، و78.8 في السعودية، ونسبة ضخمة في الكويت تبلغ 85.3%، وهو ما يعادل بالنسبة للسعودية إجمالي 43.52 مليار دولار، أو 9.8 من الناتج المحلي الإجمالي- 1.586 دولار للفرد. 

هذا الانخفاض العبثيّ للأسعار ليس له تأثير كبير فقط على ميزانيات الخليج، بل يشجع أيضا على الإسراف في استخدام الطاقة، التي تمثل- كما لا بدو أن قراء “جالف ستاتس نيوز” يدركون- مشكلة تتزايد إلحاحا في المنطقة. وإذا لم يتم التحكم في الاستهلاك المحلي الهائج، فإنه سوف يستمر في التهام الصادرات التي يعتمد عليها منتجو النفط: وخفض الدعم يعتبر حلًا واضحًا.

حتى السياسيون أضحوا أكثر انفتاحا بشأن الحاجة إلى إصلاح نظام الدعم. وفي ظل الغيوم التي تلوح في الأفق المالي، اعترفوا علانية بالفرصة التي يتيحها انخفاض أسعار النفط. حيث صرَّح مسئول خليجي سابق في مؤتمر إقليمي للطاقة في لندن يوم 26 يناير بأن “الصدمة النفطية سوف تُعَزِّز إدراك الناس”، معربا عن أمله في أن تتصدى القيادة الجديدة في السعودية بجدية لهذه القضية.

سخاءٌ يبدد الآمال

بيدَ أن حزمة الإعانات الكبيرة التي أمر بها الملك سلمان في 29 يناير بددت سريعًا هذه الآمال. وفي خضم ارتفاع الرواتب، والعفو عن السجناء، وافق الملك الجديد على صرف 14 مليار ريال (3.7 مليار دولار) لدعم خدمات الكهرباء، وستة مليارات ريال للمياه، ليُظهِر- وياللعجب- أنه غير متحمِّس أبدًا للتخلي عن سخاء أسلافه. 

ورغم كل الاعترافات السياسية، وجميع اللجان التي تستكشف أفضل الطرق لتحقيق الإصلاح، فإن الواقع- بالنسبة لملوك الخليج- يشير إلى أنه لن يكون ثمة وقت مناسب للتخلص من الدعم. فالإصلاحات التي لا تحظى بشعبية تجد صعوبة كبيرة في شق طريقها داخل الأنظمة الملكية؛ حيث يرتكز الحق في الحكم على المخصصات المالية التي بات الشعب يعتبرها حقًا مكتسبًا بعد عقودٍ من النفط الرخيص. (في الكويت، لم تتغير أسعار الكهرباء منذ عام 1966).

صحيحٌ أن انخفاض أسعار النفط قد توفر خلفية مواتية لإصلاح الدعم، لكن لا يرجح أن يكون ذلك كافيًا؛ فبالنظر إلى مستوى الاحتجاجات في البلدان التي جرَّبت إصلاح الدعم (إيران واليمن)، يتضح أن اللجوء إلى الاحتياطيات الكبيرة لدى ممالك الخليج، من أجل الصمود في وجه التدهور المالي الناتج عن انخفاض أسعار النفط، لا يزال هو الخيار الأكثر راحة، لا سيما في وقت تفشى عدم اليقين الجيوسياسيّ، حين يميل الشعور بعدم الرضا إلى الغليان فوق السطح. 

وما يمكن لانخفاض أسعار النفط فعله لاقتصادات الخليج: تنشيط حملة التنويع؛ وهو الهدف المركزي لتلك الاقتصادات التي لا تزال مُفرِطة في اعتمادها على النفط. كما يمكن لسنوات العجاف هيدروكربونيًا أن تساعد أيضًا في تعزيز القطاع الخاص، وتشجيع الحكومة على كبح جماح الميزانيات التوسعية. وبينما قد يكون هناك بعض التشذيب الهامشي لفاتورة الدعم- عن طريق رفع الدعم للوافدين على سبيل المثال، أو البدء في زيادة الفواتير التجارية- فإن الرغبة في الاستقرار السياسي سوف تستمر في هزيمة صوت الحاجة لإصلاح الدعم بالجملة، على الأقل في الدول التي يمكنها تحمل نفقات إطالة أمد الوضع الراهن. 

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم العالم بالعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على الاقتصاد في المستقبل

يمكن للمؤسسات (الإعلامية والبحثية إلخ) الحصول على تقاريرنا حصريًا الآن. لمعرفة المزيد حول …