الرئيسية في العمق فهد ناظر: إطلالة على “داعش” بعيون سعودية

فهد ناظر: إطلالة على “داعش” بعيون سعودية

0 second read
0

ترجمة وعرض: علاء البشبيشي

بعد ظهور “داعش” الوحشي، وتقدمها السريع في العراق، ومؤخرًا في سوريا، يتساءل الناس: من المسئول عن ظهور أكثر فروع القاعدة شراسة وربما قوة على الإطلاق؟ وليس جديدًا أن يتهم البعض كيانًا ما، أو يعزو هذه الظواهر الإرهابية المقلقة لـ”مصدر” واحد.

ففي الأسبوع الماضي زعم عدد من المعلقين والمحللين في أمريكا وبريطانيا أنهم وجدوا الجاني: المملكة العربية السعودية.

ينبني هذا على افتراض أن المملكة هي المسئولة عن تصدير التطرف الإسلامي – في إشارة إلى الوهَّابية – والترويج للعقيدة المسئولة عن نمو “الدولة”. ويرى أصحاب هذه الحجة أن السعودية دعمت المجموعة ماليًا، رغم أنَّهم دائما ما يستدركون قائلين: ليس هناك أدلة دامغة لإثبات ذلك.

ثانوية الأيديولوجيا

أعتقد أن العلماء الذين درسوا بعناية عملية التطرف، وتاريخ الحركات الإسلامية المتشددة، يتفقون جميعًا تقريبًا على أن انتشار هذه الجماعات في أنحاء العالم لا يرجع إلى عامل واحد، بل إلى خليطٍ متعدد المستويات من العوامل التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وأن هذا التلقين الأيديولوجي/الديني ليس سوى عنصر واحد فقط من عمليةٍ تتسم بالطول غالبًا.

بل يرى البعض أن الأيديولوجيا تلعب دورًا ثانويًا إلى حدٍ ما. وإطلالة سريعة على العديد من أعضاء “الدولة الإسلامية” توضح أن الأيديولوجيا لعبت دورًا ثانويا في انضمامهم للمجموعة. وكمثال على ذلك؛ بعض الراديكاليين السعوديين الذين قاتلوا في صفوف “الدولة الإسلامية”، قبل أن يسلموا أنفسهم للسلطات السعودية، وهم الآن يصرحون بتجربتهم، اعترفوا بأنهم لم يكونوا متدينين قبل السفر إلى سوريا. والحال هكذا، يترجَّح نوعًا ما أن الحرب الأهلية في سوريا – التي تتسم بالتعقيد – لعبت دورا رئيسيًا وأكثر محورية في ظهور “الدولة الإسلامية”.

المستنقع السوري 

ومنذ وقت مبكر، نصحتُ – في أماكن أخرى – المجتمع الدولي بأن يولي اهتماما أكبر بالمستنقع الذي بدأ ضحلا ثم اتسع ببطء لكن بعمق في سوريا. وحذرتُ – وربما فعل غيري – من أن قمع الأسد الوحشي للغالبية السنية يمكن أن يمنح تنظيم القاعدة سياقا جهاديًا يمكن أن يجد صدى لدى الأغلبية السنية حول العالم، وبالتأكيد لدى المسلحين الذين لن يقاوموا جاذبية الالتحاق بالجهاد في سوريا.  

وكما تبين، لم يكن تنظيم القاعدة المركزي، بقيادة أيمن الظواهري، هو القادر على الاستفادة من هذا المناخ، بل أحد فروعه الذي تشكل في العراق، ثم انتقل إلى سوريا، والآن يسيطر على مساحة كبيرة بطول الحدود بين البلدين.

ويلاحظ بعض المراقبين المخضرمين أن الأسد لم يكن مهتما كثيرًا بقصف معاقل “الدولة الإسلامية” في الرقة ودير الزور، بل كان يركز بدلا من ذلك على عناصر أخرى من المعارضة السورية أكثر اعتدالا. وبالمثل كانت “الدولة الإسلامية” تركز على محاربة المعارضة، بما في ذلك جبهة النصرة التابعة رسميا للقاعدة، أكثر من تركيزها على نظام الأسد. ولطالما قال كثيرون إن الأسد يتجاهل “الدولة الإسلامية” عمدا لإجبار المجتمع الدولي على الاختيار بينها وبين نظامه، متجاهلين تماما حقيقة أن هناك العديد من القوى المعتدلة داخل المعارضة التي يحتمل أن تكون قدمت بديلا عمليا للاختيار الخاطئ بين دكتاتور وحشي ومجموعة إرهابية شرسة.

انقسام أم إجماع؟

وفي حين تحدَّث أليستر كروك، ضابط المخابرات البريطانية السابق، لـ “هافينجتون بوست”، عما وصفه بـ”الثنائية السعودية”: إن النخبة الحاكمة في السعودية منقسمة؛ بين من يشيدون بمحاربة “الدولة الإسلامية” إيران وفق سياسة “لا يفل الحديد الشيعي إلا نظيره السني”، بينما يعرب آخرون عن خشيتهم من هذا الوضع. أعتقد أن جميع المسئولين السعوديين الكبار، والعديد من رجال الدين، أوضحوا أنهم يرون “الدولة الإسلامية” تمثل تهديدا لأمن المملكة والشرق الأوسط والعالم السني والمجتمع الدولي بأسره. بل أعلنت السلطة الدينية الأولى في المملكة (المفتي) أن “الدولة الإسلامية” هي العدو رقم واحد للإسلام. وفي اجتماع عقد مؤخرا مع سفراء المملكة العربية السعودية، أثار الملك عبد الله بعض الدهشة حين حذر من أنهم إذا لم يتحركوا بسرعة وحسم، سوف تصل الدولة الإسلامية أووربا في غضون شهر، والولايات المتحدة بعد شهرين.

غارات العراق 

ويبدو واضحا أن السعوديين يشعرون بأن “الدولة” تتطلب استجابة دولية جيدة التنسيق. بيدَ أنه من المثير للاهتمام ملاحظة أنهم لم يصرحوا برأيهم بشأن الضربات الأمريكية في العراق. وبالنظر إلى علاقتهم المتوترة منذ فترة طويلة مع المالكي – الذي يحملونه مسئولية تقدم “الدولة” في العراق – والتصور لدى بعض السعوديين بأن “الدولة” بينما تمثل خطرا، فإن تمردًا سنيًا أوسع اشتعل ضد سياسات المالكي الطائفية. بالنظر إلى ذلك يتضح لماذا لم تتخذ السعودية موقفا علنيا من الغارات الأمريكية.

التصوُّر الغربي

من المهم أيضَا ملاحظة أن السلطات السعودية سئمت التصور الغربي المستمر بأنها تدعم “الدولة الإسلامية” بطريقة أو بأخرى. ورغم عدم وجود دليل داعم لم يتوقف الكثيرون عن تكرار ذلك، ويبدو أن البعض يتعامل معها باعتبارها حقيقة لا تقبل الجدال.

من جانبها، يبدو أن السفارة السعودية في بريطانيا أدركت الضرر الذي قد يسببه هذا التصور لعلاقات المملكة مع الدول في الغرب، وربما حول العالم. وردًا على ذلك؛ أطلقت حملة إعلامية لتصحيح هذا التصور الخاطئ وإلقاء الضوء على العديد من الخطوات التي اتخذتها المملكة لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.


* فهد ناظر، خبير في شؤون الإرهاب، ومحلل سياسي سابق في السفارة السعودية بواشنطن.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم في العمق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: استعادة «الغمر والباقورة».. قمة جبل الجليد في العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …