ترجمة وعرض: علاء البشبيشي
“سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين القادمين عبر البحر تمخضت عن كارثة”.. بهذه الكلمات استهلت أسبوعية الإيكونومست البريطانية موضوع غلافها الصادر بتاريخ 23-30 أبريل 2015، والذي خصصته للتعليق على كارثة غرق مركب كان على متنه قرابة 900 مهاجر بين ليبيا وإيطاليا.

يروق للاتحاد الأوروبي التفاخر بأنه قوة من أجل الخير. لكن خلال الـ10 أيام الماضية غرق قارب، يتسع لما لا يقل عن 1200 لاجئ، في مياه البحر الأبيض المتوسط، كانوا قادمين من سوريا وإريتريا والصومال هربًا من الحرب أو الاضطهاد. هؤلاء لقوا حتفهم جزئيًا؛ لأن سياسة اللجوء التي يتبناها الاتحاد الأوروبي لا تعدو كونها فشلا أخلاقيًا وسياسيًا.
يقول المسئولون: إن هناك مليون مهاجر يُخَيِّمون على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، في انتظار اللحاق بركبِ حياةٍ هي أفضل- بما لا يُقاس- بتلك التي تركوها خلف ظهورهم. هناك.. حيث تجتاح العالم العربي نيران حربٍ من المرجح أن تستمر لعقود، بعدما كَسَرت بوصلة دول بأكملها، فجعلتها تسير على غير هدى. ووقعت أجزاء من أفريقيا فريسة للصراع الطائفي والعرقي والتدهور البيئي.
تنبع صعوبة التعامل مع أزمة اللاجئين من أنها أحد أعراض الحرب أو الاضطهاد أو سوء الحكم. فلا يمكنك وقف زحف اللاجئين؛ لأنكَ- في هذا الجانب من المدينة الفاضلة- لا يمكنكَ فرض السلام على ليبيا وسوريا، أو تحقيق أمنيتك بتولي حكومة جيدة زمام الأمور في إريتريا أو الصومال. كما لا يمكنكَ تركهم جميعًا يتدفقون؛ لأن اللاجئين يختلطون بالناس بحثًا عن الازدهار، بينما ترغب الدول في اختيار المهاجرين إليها لأسباب اقتصادية، لا أن تترك زمام الاختيار للقادمين. على الجانب الآخر، لا يمكنكَ صدَّ الجميع؛ لأن الدول- بعد جرائم الحرب العالمية الثانية- تعهدت رسميًا بألا تترك الأبرياء مرة أخرى نهشًا لأنياب الاضطهاد والصراع.

وبينما تعكس هذه المحنةُ الضائقةَ التي تمر بها البلدان التي منها فرُّوا، فإنها تكشف أيضًا إخفاقات الدول التي يجب عليها أن تستقبلهم. فالاتحاد الأوروبي لم يخصص لعمليات الإنقاذ البحري سوى القليل من المال يبلغ ثلث ما كرَّسه العام الفائت، وعدد أقل من الفرق البشرية، لا يبلغ حتى العُشر.
وتجادل العديد من الدول، بما في ذلك بريطانيا، بأن فرص الإنقاذ كلما ارتفعت، كلما شجعت المزيد من المهاجرين على القدوم. في الواقع هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي يقترح الوقوف موقف المتفرج لمشاهدة هؤلاء الأبرياء وهم يغرقون؛ بحجة ردع الآخرين من خلفهم كيلا يلحقوا بهم.. ياله من منطق خاطئ، وخلقٌ بغيض، على حد وصف المجلة.

حتى قبل وقوع الكارثة الأخيرة، بلغ معدل الوفيات هذا العام عشرة أضعاف نظيره بداية العام 2014؛ ورغم ذلك لا يزال اللاجئون يتدفقون بالأعداد ذاتها.
مرة أخرى، أثبتت أوروبا أن تضامنها واهنٌ. فمن بين 626 ألف شخص تقدموا بطلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي (جاء عدد قليل منهم على متن القوارب)، قُبِلَت فقط طلبات نصف المتقدمين. حيث منحت فرنسا اللجوء لـ 15 ألفًا، وبريطانيا لـ 11 ألفًا فقط. ورغم الاستثناءات المُشَرِّفَة، التي تشمل ألمانيا باستقبالها 41 ألفًا، والسويد بـ 31 ألفًا، ودَّت معظم الدول لو حزمت المشكلة متاعها ورحلت عن شواطئها.
أما إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يرقى إلى مستوى القيم التي يتبناها؛ فعليه العمل على عدة جبهات في الوقت ذاته: بدءًا من إنقاذ الأرواح من الغرق في البحر، وصولا إلى مساعدة الدول التي تحمل القدر الأكبر من العبء.
صحيحٌ أن أوروبا لن تستطيع وضح حد للعنف واليأس اللذين يدفعان الناس للفرار، لكن على المدى الطويل يجب أن تفعل المزيد من أجل جيرانها. هذه المشاركة منطقية، وربما تساعد في نهاية المطاف على وقف تدفق اللاجئين.. إذا عمل الاتحاد الأوروبي على التوصل إلى تسوية في ليبيا، فإن أقدام الشبكات الإجرامية قد تصبح أقل رسوخا. وإذا استقبل الاتحاد منتجات شمال أفريقيا، فإنه قد يقلل عدد اللاجئين القادمين من هناك. وإذا قدَّم المزيد من دول الاتحاد المساعدة للمليون لاجئ في لبنان، فإن عددا أقل منهم سيتوجه إلى شوارع باريس وبرلين.
يروق لأوروبا الاعتقاد بأنها نموذج لتجمع من الدول القومية التي يمكنها العمل سويا لجعل العالم مكانا أفضل للعيش. لكن في الوقت الحالي، تلاحق هذه الفكرة وصمة عارٍ تطفو مع اللاجئين على متن القوارب.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم العالم بالعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على الاقتصاد في المستقبل

يمكن للمؤسسات (الإعلامية والبحثية إلخ) الحصول على تقاريرنا حصريًا الآن. لمعرفة المزيد حول …

ترجمة وعرض: علاء البشبيشي
“سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين القادمين عبر البحر تمخضت عن كارثة”.. بهذه الكلمات استهلت أسبوعية الإيكونومست البريطانية موضوع غلافها الصادر بتاريخ 23-30 أبريل 2015، والذي خصصته للتعليق على كارثة غرق مركب كان على متنه قرابة 900 مهاجر بين ليبيا وإيطاليا.

يروق للاتحاد الأوروبي التفاخر بأنه قوة من أجل الخير. لكن خلال الـ10 أيام الماضية غرق قارب، يتسع لما لا يقل عن 1200 لاجئ، في مياه البحر الأبيض المتوسط، كانوا قادمين من سوريا وإريتريا والصومال هربًا من الحرب أو الاضطهاد. هؤلاء لقوا حتفهم جزئيًا؛ لأن سياسة اللجوء التي يتبناها الاتحاد الأوروبي لا تعدو كونها فشلا أخلاقيًا وسياسيًا.
يقول المسئولون: إن هناك مليون مهاجر يُخَيِّمون على الشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، في انتظار اللحاق بركبِ حياةٍ هي أفضل- بما لا يُقاس- بتلك التي تركوها خلف ظهورهم. هناك.. حيث تجتاح العالم العربي نيران حربٍ من المرجح أن تستمر لعقود، بعدما كَسَرت بوصلة دول بأكملها، فجعلتها تسير على غير هدى. ووقعت أجزاء من أفريقيا فريسة للصراع الطائفي والعرقي والتدهور البيئي.
تنبع صعوبة التعامل مع أزمة اللاجئين من أنها أحد أعراض الحرب أو الاضطهاد أو سوء الحكم. فلا يمكنك وقف زحف اللاجئين؛ لأنكَ- في هذا الجانب من المدينة الفاضلة- لا يمكنكَ فرض السلام على ليبيا وسوريا، أو تحقيق أمنيتك بتولي حكومة جيدة زمام الأمور في إريتريا أو الصومال. كما لا يمكنكَ تركهم جميعًا يتدفقون؛ لأن اللاجئين يختلطون بالناس بحثًا عن الازدهار، بينما ترغب الدول في اختيار المهاجرين إليها لأسباب اقتصادية، لا أن تترك زمام الاختيار للقادمين. على الجانب الآخر، لا يمكنكَ صدَّ الجميع؛ لأن الدول- بعد جرائم الحرب العالمية الثانية- تعهدت رسميًا بألا تترك الأبرياء مرة أخرى نهشًا لأنياب الاضطهاد والصراع.

وبينما تعكس هذه المحنةُ الضائقةَ التي تمر بها البلدان التي منها فرُّوا، فإنها تكشف أيضًا إخفاقات الدول التي يجب عليها أن تستقبلهم. فالاتحاد الأوروبي لم يخصص لعمليات الإنقاذ البحري سوى القليل من المال يبلغ ثلث ما كرَّسه العام الفائت، وعدد أقل من الفرق البشرية، لا يبلغ حتى العُشر.
وتجادل العديد من الدول، بما في ذلك بريطانيا، بأن فرص الإنقاذ كلما ارتفعت، كلما شجعت المزيد من المهاجرين على القدوم. في الواقع هذا يعني أن الاتحاد الأوروبي يقترح الوقوف موقف المتفرج لمشاهدة هؤلاء الأبرياء وهم يغرقون؛ بحجة ردع الآخرين من خلفهم كيلا يلحقوا بهم.. ياله من منطق خاطئ، وخلقٌ بغيض، على حد وصف المجلة.

حتى قبل وقوع الكارثة الأخيرة، بلغ معدل الوفيات هذا العام عشرة أضعاف نظيره بداية العام 2014؛ ورغم ذلك لا يزال اللاجئون يتدفقون بالأعداد ذاتها.
مرة أخرى، أثبتت أوروبا أن تضامنها واهنٌ. فمن بين 626 ألف شخص تقدموا بطلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي (جاء عدد قليل منهم على متن القوارب)، قُبِلَت فقط طلبات نصف المتقدمين. حيث منحت فرنسا اللجوء لـ 15 ألفًا، وبريطانيا لـ 11 ألفًا فقط. ورغم الاستثناءات المُشَرِّفَة، التي تشمل ألمانيا باستقبالها 41 ألفًا، والسويد بـ 31 ألفًا، ودَّت معظم الدول لو حزمت المشكلة متاعها ورحلت عن شواطئها.
أما إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يرقى إلى مستوى القيم التي يتبناها؛ فعليه العمل على عدة جبهات في الوقت ذاته: بدءًا من إنقاذ الأرواح من الغرق في البحر، وصولا إلى مساعدة الدول التي تحمل القدر الأكبر من العبء.
صحيحٌ أن أوروبا لن تستطيع وضح حد للعنف واليأس اللذين يدفعان الناس للفرار، لكن على المدى الطويل يجب أن تفعل المزيد من أجل جيرانها. هذه المشاركة منطقية، وربما تساعد في نهاية المطاف على وقف تدفق اللاجئين.. إذا عمل الاتحاد الأوروبي على التوصل إلى تسوية في ليبيا، فإن أقدام الشبكات الإجرامية قد تصبح أقل رسوخا. وإذا استقبل الاتحاد منتجات شمال أفريقيا، فإنه قد يقلل عدد اللاجئين القادمين من هناك. وإذا قدَّم المزيد من دول الاتحاد المساعدة للمليون لاجئ في لبنان، فإن عددا أقل منهم سيتوجه إلى شوارع باريس وبرلين.
يروق لأوروبا الاعتقاد بأنها نموذج لتجمع من الدول القومية التي يمكنها العمل سويا لجعل العالم مكانا أفضل للعيش. لكن في الوقت الحالي، تلاحق هذه الفكرة وصمة عارٍ تطفو مع اللاجئين على متن القوارب.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم العالم بالعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على الاقتصاد في المستقبل

يمكن للمؤسسات (الإعلامية والبحثية إلخ) الحصول على تقاريرنا حصريًا الآن. لمعرفة المزيد حول …