الرئيسية أقليات نعيمة روبرت: النقاب.. المفترى عليه!

نعيمة روبرت: النقاب.. المفترى عليه!

0 second read
0

ترجمة/ علاء البشبيشي

ارتدائي النقاب هو اختيار اتّخذته بكامل حرّيتي، لأسباب دينية.

أرتدي نقابي كل يوم قبل أن أغادر المنزل، دون أن أتوقّف ثانيةً للتفكير في ذلك، أجعله يتدلّى فوق وجهي، وأعقد رباطه خلف رأسي، وأُسَوِّي فتحة عيني؛ لأتأكد من عدم وجود ما يعيق مجال رؤيتي.

وبوجود مرآة كبيرة بجانب الباب الأمامي للمنزل، يمكنني أن أرى كيف ينظر الناس إليَّ: امرأة متوسطة الوزن والطول، مغطّاة بطبقاتٍ عديدة من القماش، سواء كان ذلك نقابًا أو حجابًا وأحيانًا “عباءة”، باللون الأسود أو الأزرق أو البني.

لكن هل يراني الناس حقًّا هكذا؟ حينما أسير عبر المُـتَـنَـزَّه مع صغاري.. حينما أركن سيارتي في أحد أماكن الانتظار.. حينما أتصفّح الأرفف في قسم السلع المجمّدة.. حينما أسأل عن طريقة طهي الهليون (نبات من فصيلة الزنبق) في أحد الأسواق، كيف يرى الناس هذا المشهد؟ أيرون امرأةً مضطهدة، امرأة بلا اسم ولا صوت.. أم يرون مجرمة؟!

حسنًا، أتوقع أن ينظر إليّ السيد ساركوزي وأمثاله باعتباري مجرمة، أليس كذلك؟! بغض النظر عن كونه بلدًا حرًا، وبدون أدنى اعتبار لكوني توصلتُ إلى هذا الاختيار بمحض إرادتي، كما فعَلَت الغالبية العظمى من المنتقبات من بنات جيلي، ودون الالتفات لكوني مواطنة مستقيمة تعمل بجد كأم وكاتبة وناشرة مجلة (متخصّصة بالشأن النسائي)، تتحمّل مسئولياتها، وتشتري منتجات وطنية.

صحيحٌ أنني أغطّي وجهي، لكني لا زلتُ أنتمي لهذا المجتمع، بل إنني لا زلتُ بشرًا، رغم الجنون الذي قد يحمله ذلك، بشرٌ له أفكاره الخاصة ومشاعره وآراؤه، لن أسمح لهؤلاء الذين يجهلون حقيقتي أن يُصوِّروني كسلعة ، كامرأة مضطهدة، خاضعة، من مخلّفات عصور الظلام، تفكيري ليس نمطيًّا (تعميميًّا)، وإن شاء الله لن أكون كذلك أبدًا.

لكن أين مَن يستمعون؟ لسنوات طوال ظلّت المرأة المسلمة تقول: إن الحجاب ليس اضطهادًا لها، وإن السّتر عبادة في ديننا، وإن هذا اختيارنا لمنهج حياتنا، لكنَّ الجدال لا يفتأ يشتعل حول استبعاد النسوة اللاتي يغطّين وجوههنّ (من المجتمع).

إن التركيز على النقاب، من وجهة نظري، هو وضعٌ للشيء في غير محله، ألم يجد الفرنسيُّون شيئًا أكثر فائدة من إملاء زيٍّ معين على المسلمات؟! أوليست مجتمعاتنا تواجه مشكلاتٍ أكبر من ثلَّةٍ من المسلمات قرَّرن تغطية وجوههن بدافع الاقتناع الديني؟!

لقد تحوَّلت “قضية البرقع” إلى محاولة متعمَّدة لصرف الانتباه (عن القضايا الكبرى): هناك قضايا (أخرى) تواجهها المرأة المسلمة، أكثر ضغطًا واتساعًا وأهمية وارتباطًا مما إذا كنَّ سيرتدين النقاب أو البرقع أو الحجاب أم لا.

في نهاية المطاف، لن يُثمِر الحظرُ سوى إجبار من اخترن تغطية وجوههن على مزيد من التراجع إلى الوراء، ولن يُفرِزَ أي نوع من “تحرير المرأة” المسلمة من الحجاب، من حق كل النساء، سواء كن متحجباتٍ أم لا، أن يرتدين ما يرونه ملائمًا، وأن يتعلمن، وأن يعملن في المكان الملائم، وأن يُدِرنَ حياتهنّ بما يتوافق مع تعاليم دينِهن، طالما لم تعتدِ اختياراتهن على حرّيّات الآخرين.

وكمسلمة أعيش في بريطانيا، أشعر بالامتنان لحقيقة أنَّ مجتمعي لا يجبرني على الاختيار بين أن أكون مسلمة ملتزمة وعضوة نشطة في المجتمع، كنتُ قادرةً على تلقِّي تعليمي ثم العمل وامتهان الكتابة وتأسيس مجلة نسائية، كلُّ ذلك وأنا أرتدي النقاب، أعتقد أن ذلك يمثِّل اعتمادًا للمجتمع البريطاني، بغضِّ النظر عما يمكن لمناهضي التعدديّة الثقافية قوله، كما أعتقد أن الفرنسيين بإمكانهم تلقِّي دروسًا في غاية الأهمية من المقاربة البريطانية.

لذلك أحيِّي مرةَّ وثانية وثالثة هؤلاء النسوة اللاتي اتّخذن قرار ارتداء الحجاب أو النقاب، ولا يزلن يمارسن حياتهن بصورة طبيعية، (وأقول لهن) وَاجِهنَ سخرية وازدراء هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يعرفون عن البرقع أكثر ممن يرتدونه، وَاجِهنَ العناوين الرئيسية المُخزِية (التي تطفح بها الصحف)، وَاجِهنَ حتى سخرية أطفال المدارس (من لباسكن)، المهمّ أن (تُقاتِلنَ) يومًا آخر، ذلك أن لا أحد يعرف أبدًا، إن استمر السيد ساركوزي وأمثاله على نهجهم، لربما قررت هؤلاء النسوة التفكير مرّتين قبل أن يخرجن إلى هذا المجتمع مرة ثانية..

 ومن يدري، ربما كنتُ إحداهن، وأعتقد أنه سيكون يومًا كئيبًا!


* نعيمة روبرت، هي رئيسة تحرير ومؤسِّسَةُ مجلة الأخوات التي تُعنَى بشئون المسلمات في الغرب.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم أقليات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: «بابري».. قصة مسجد بناه سلطان مغولي وهدمه الهندوس تقديسًا لـ«الإله رام»

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …