في العمق دروس من ساحة تيانانمن.. هل يمكن لمذبحة أن تُغَيِّر العالم؟ لـ العالم بالعربية منشور في 5 second read 0 شارك على Facebook شارك على Twitter شارك على Google+ شارك على Reddit شارك على Pinterest شارك على Linkedin شارك على Tumblr شهيرةٌ هي مظاهرات ساحة تيانانمن الوطنية التي شهدتها جمهورية الصين الشعبية بين 15 أبريل 1989 و4 يونيو 1989. أراد طلاب الجامعة الصينيين بالديمقراطية والإصلاح، فواجههم جيش التحرير الشعبي بالقمع والرصاص. مرت مياه كثيرة تحت الجسور، لكن هذه المفاصل المحورية في جسد التاريخ تستحق أن يُسلَط عليها الضوء باستمرار، وتُستَقى منها الدروس والعبر، لذلك يرصد هو بينج، رئيس تحرير مجلة “ربيع بكين” الصينية التي تصدر من نيويورك، في السطور التالية كيف غيَّرت مذبحة تيانانمن الصين والعالم. هذا التغيير ليس كما قد يتوقعه القارئ للوهلة الأولى، لكن التحليل الذي يقدمه السيد بينج وهو أحد أشهر المعلقين والمفكرين الليبراليين الصينيين منذ أوائل الثمانينيات- رغم أنه منشور في 2 يونيو 2015- يوفر دروسًا تتجاوز حدود الصين لتطرق أبواب العالم العربي في عصر ما بعد الموجة الأولى من الربيع الشعبيّ. رغبة عميقة في صدور الملايين قبل 28 عاما في الصين، ازدهرت فجأة حركة مدنية سلمية ذات أبعاد غير مسبوقة، وأظهرت مرة واحدة وإلى الأبد أن الديمقراطية في الصين ليست منطقة خاصة بعدد قليل من المعارضين ولكنها رغبة أعمق تموج بها صدور الملايين. سحق الفصيل المتشدد في الحزب الشيوعى الصينى برئاسة الزعيم دينج شياو بينج هذه الحركة بوحشية، لكن حملة العنف الحكومية أثارت موجة من الإدانات الدولية وخلقت شروخًا في جدار النظام الحاكم بينما هو في أوج قوته. ثم في غضون عام، خضعت أوروبا الشرقية ثم الاتحاد السوفياتي لتحوُّلٍ هائل، وانهار المعسكر الشيوعي الدولي. وأصبحت أمريكا القوة العظمى الوحيدة، وشهدت الديمقراطية أكبر انتصاراتها. وبدا من المنطقي الاعتقاد بأن الديكتاتورية الشيوعية في الصين سوف تنهار قريبا أيضا. الحزب الشيوعي لا يزال صامدًا لكن 28 عاما مرّت منذ ذلك الحين، ولم ينهار الحزب الشيوعي الصيني، بل على العكس من ذلك، أصبح أقوى من أي وقت مضى، وشهد اقتصاد البلد نموًا سريعًا أصبح يُستشهد به على نطاق واسع باعتباره “معجزة الصين”. ولعل الأكثر إثارة للدهشة هو حقيقة أن الصين- إلى جانب الإصلاح الاقتصادي- لم تشهد أي إصلاح سياسي أو حتى تليين لقبضتها الحديدية. علاوة على ذلك، تُظهِر الشواهد المتوالية أن الحزب الشيوعي أصبح أكثر ديكتاتورية محليًا وجرأة دوليًا. في الوقت ذاته، يبدو أن الديمقراطيات الغربية، بما فيها أمريكا، تواجه كل أنواع الأزمات. ويبدو أن هيكل الجغرافيا السياسية الدولية آخذ في التحول. ويبدو أن ما يسمى “نموذج الصين” يشكل تحديا كبيرا للديمقراطية العالمية. نتائج محلية ودولية في ضوء كل هذا يستنتج المفكر الصيني هو بينج أن مذبحة يوم الرابع من يونيو قبل 26 عاما لم تغير الصين فحسب بل العالم أيضا؛ حيث تمخضت مجزرة تيانانمن عن نتيجتين: – أوقفت الإصلاحات السياسية فى الصين، – وحرفت مسار التنمية الاقتصادية في هذا البلد. علاوة على ذلك، استطاعت الصين أن تمتطي ذيول العولمة، وتمتص كميات ضخمة من رأس المال الدولي والتكنولوجيا والدراية الإدارية، بموازاة استغلال قدرتها على منح أدنى الأجور والاكتفاء بأقسى الأوضاع الممكنة للعمال. الافتقار إلى الشرعية بينما كان كل هذا يحدث، شجع الحزب الجماهير على نسيان السياسة، وجني أكبر قدر ممكن من المال ببساطة. والنتيجة أن التنمية الاقتصادية فى الصين أصبحت مبهرة بالفعل، لكنها تعاني من عيب مميت: الافتقار إلى الشرعية. صعد الحزب الشيوعى الصينى إلى السلطة على جثث الملاك والرأسماليين، ممتطيًا صهوة تقسيم الغنائم، لكن الحزب نفسه أصبح الآن أكبر الملاك والرأسماليين فى الصين. باسم الثورة، انتزع الحزب الثورة من الأفراد وأعطى لما يسمى الجماعة، لكنه لاحقًا- وباسم الإصلاح- سرق من الجماعة وملأ جيوب أعضائه. سرق الحزب البلد باسم الثورة، والآن عن الغنائم باسم الإصلاح. ومن اللافت للنظر أن هاتين المهمتين الفاسدتين- وكلاهما يناقض الآخر- قام بهما الطرف نفسه في غضون 60 عاما. هل هناك فجورٌ أكثر من هذا؟ هل هناك فحش يفوق ذلك؟ مخاطر قبول الفرضيات الخاطئة حتى اليوم، لا يزال هناك بعض من يعتقدون أن الصين سوف تتطور تدريجيا نحو الديمقراطية الليبرالية مع مزيد من التنمية ونمو الطبقة الوسطى. هذا السرد قديمٌ جدًا، وإذا كان صحيحًا فمن المفترض الآن أن تكون الصين تسير على الطريق الصحيح. لكن هذا لم يحدث. ويرجع ذلك إلى الخيارات التي اتُخِذّت عبر منظور النفعية السياسية بعد مذبحة تيانانمين. والاستمرار في هذا المسار الملتوي لا يؤدي ببساطة سوى إلى إبعاد الصين أكثر عن درب الديمقراطية، وهو ما أصبح واضحا منذ تولي شي جين بينج السلطة. على مدى 28 عاما، ولأن الكثير من الناس قبلوا الفرضية الخاطئة التي تُعَوِّل على التنمية الاقتصادية باعتبارها مقدمة للإصلاح السياسي المحتوم؛ لم يعد أحد يذكر وسائل المقاومة الصحيحة والصالحة لمواجهة ديكتاتورية الحزب. بدلا من ذلك، يجلس العالم ليتفرج، أو حتى يساعد على نمو الحية الأسطورية ذات الرؤوس التسعة. الانتظار = رفع فاتورة التغيير ما نحتاج إلى فهمه هو أن وجود نظام سياسي منحرف في أصل نشأته، ومن ثم فهو لا يعرف العدل ويظلم رعاياه، يشكل مصدر سخريةٍ سافر من ضمير الإنسانية وإحساسها بالعدالة. كما أن الصعود الدولي لهذا النظام يشكل تهديدا للحرية والسلم العالميين. وانتظار التاريخ للقيام بعمله هو مجرد تأجيل للوقت لاتخاذ موقف، في محاولة لتجنب المخاطر، أو إجبار الجيل القادم على تحمل هذا العبء. لكن مع مرور الوقت، ستصبح المقاومة أصعب، وستصبح الأخطار أكثر حدة، وعندما يتحقق النصر، سيكون ذلك أكثر صعوبة وسيتطلب المزيد من المعاناة.