في العمق روسيا في الخليج.. مزيج من الدين والسياسة والاقتصاد لـ العالم بالعربية منشور في 1 second read 0 شارك على Facebook شارك على Twitter شارك على Google+ شارك على Reddit شارك على Pinterest شارك على Linkedin شارك على Tumblr ترجمة وعرض: علاء البشبيشي خلال الحرب الباردة، كانت الملكيات الخليجية مترددة في التعامل مع حكومة الاتحاد السوفيتي الشيوعية؛ بسبب الخلافات الأيديولوجية. لكن روسيا ما بعد الشيوعية تتواصل اليوم بحكمةٍ، وتبني علاقاتٍ مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ لعدة أسباب، منها: (1) تريد موسكو السيطرة على العلاقات التي قد تطورها دول الخليج مع الأقاليم الإسلامية في روسيا؛ لمنع انتشار الأيديولوجيات “غير المرغوب فيها”. (2) في ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو مؤخرًا، يطمح الروس سريعًا لتعزيز التجارة مع دول الشرق الأوسط والاقتصادات المزدهرة في آسيا. ظهرت أولى بوادر الاهتمام الروسي بمنطقة الخليج في عام 2007؛ عندما زار الرئيس فلاديمير بوتين المنطقة، وسافر إلى السعودية وقطر. كانت هذه هي المرة الأولى التي يزور فيها زعيم روسي دول مجلس التعاون الخليجي. ومنذ ذلك الحين، لعبت روسيا دورًا سياسيًا رئيسيًا في الشرق الأوسط، وأحبطت مناورات الغرب بسعة حيلتها في سوريا، وأصبحت شريكًا محوريًا في المفاوضات مع إيران ومحادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكن الدعم الروسي لبشار الأسد، والجهود المبذولة للتفاوض على شروط مواتية لإيران، أثارت شكوك دول مجلس التعاون الخليجي؛ ما دفع موسكو إلى الدفاع عن موقفها من هذه القضايا، والانخراط في محادثات مباشرة مع دول الخليج. في ظل هذه الخلفية، تهتم روسيا بإجراء مزيد من النقاشات العملية مع الجهات المعنية إقليميًا، وترغب أن تُظهِر لدول الخليج أن هناك بديلا للنفوذ الأمريكي المطلق في المنطقة، وأن الشراكة مع روسيا يمكن أن تُتَرجَم إلى نتائج ملموسة في الشرق الأوسط بأكمله. في مقابلة مع الجزيرة عام 2007، قال بوتين: إن الاستقرار في الخليج لن يتحقق إلا من خلال توازن القوى في المنطقة، معربًا بوضوح عن اعتقاده أن الانخراط الروسي القوي في دول الخليج كان ضروريًا لتحقيق ذلك على أرض الواقع. ووصف بصراحة العلاقة بين روسيا وأمريكا في الشرق الأوسط بأنها تنافسية، وهي وجهة النظر التي تعتبر أحد خصائص السياسة الروسية في المنطقة حاليًا. المصالح السياسية/العسكرية لطالما كانت روسيا، مثل سلفها الاتحاد السوفيتي، تعتمد على صادرات السلاح للحفاظ على علاقاتها مع الدول الأخرى وتحسينها. وفي الوقت الراهن يرغب بوتين في إقامة شبكة من الدول-الشركاء التي يمكنها عقد صفقات سلاح طويلة الأمد مع روسيا لتحقيق الاستقرار في صادرات، على غرار الصفقات التي عقدتها موسكو مع الهند والبرازيل. ومن الواضح أن روسيا ترى مجلس التعاون الخليجي مجموعة من الدول الثرية المقبلة بشراهة على صفقات السلاح. ولا غروَ؛ فالولايات المتحدة تتمتع بصفقات خليجية مربحة في هذا المجال، وحتى التوترات السياسية الأخيرة بين حكومتي الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لم تكن كافية لوقف مبيعات السلاح الأمريكية لدول مجلس التعاون الخليجي. ومن مصلحة روسيا أن تحلَّ مكان الولايات المتحدة في الأولوية، وتصل إلى هذا السوق المتنامي باطراد. وحتى الآن، يعتبر التعاون التسليحي بين روسيا ودول مجلس التعاون هزيلا. فتاريخيًا كانت الكويت والإمارات هما الدولتان الخليجيتان الوحيدتان اللتان اشتريتا أسلحة من روسيا. حيث وقَّع البلدان عقودا محدودة مع الاتحاد الروسي منذ أواسط التسعينيات إلى أوائل الألفية الثانية، لاسيما شراء مركبات مشاة قتالية. كما اشترت الإمارات من روسيا أنظمة الدفاع الجوي المحمولة في عام 2000، لكنها لم تتلقَّ المعدات إلا بعد تسع سنوات من التأخير. وتعتبر روسيا علاقتها بدول مجلس التعاون الخليجي طريقًا ذا اتجاهين. صحيحٌ أن روسيا ثاني أكبر مُصَدِّر للأسلحة في العالم، لكنها لا تزال تستورد أسلحة ذات تقنية عالية لا يمكنها تطويرها. ففي الماضي، اشترت وزارة الدفاع الروسية طائرات بدون طيار من الخارج، بما في ذلك إسرائيل. ومؤخرًا وقَّعت وزارة الدفاع عقدين لشراء طائرتين بدون طيار صممتهما الإمارات، مع الوضع في الاعتبار أن روسيا ترى الإمارات شريكًا محتملا يمكنه تلبية احتياجاتها لقرابة 100 طائرة بدون طيار. كبح جماح “الإسلام الراديكالي” أحد الدوافع الأخرى وراء الاهتمام الروسي بتطوير العلاقات مع دول الخليج هو انتشار الإرهاب الدولي. حيث أصبحت المناطق ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز وبعض أجزاء وسط روسيا هدفًا للدعاية المتطرفة، ما أدى إلى إثارة المخاوف الروسية حيال النفوذ الإسلامي الراديكالي في البلاد. في التسعينيات، كانت الاضطرابات في شمال القوقاز ناتجة في المقام الأول عن حركات انفصالية طالما كانت تستَعِر تحت السطح خلال فترة الحكم الشيوعي. ومنذ أواسط التسعينيات فصاعدًا، بدأت الأيديولوجيات المتطرفة تدخل المنطقة نتيجة نقص المهارة لدى المدرسين الدينيين. وفي بداية الألفية الثانية، انتقلت الجماعات المتطرفة إلى المناطق الغنية بالنفط والتي تقطنها أغلبية مسلمة في وسط روسيا، لاسيما تتارستان وبشكيريا؛ في محاولة للاستفادة من اقتصاداتها المزدهرة. وفي وقت لاحق، هاجرت مشكلة التطرف الديني من تلك المناطق، إلى العاصمة الروسية موسكو. بيدَ أن السنوات العشر الماضية شهدت هدوءًا نسبيًا في شمال القوقاز نتيجة التنمية الاقتصادية والسياسية التي حظيت بها جمهورية الشيشان، المتمردة سابقًا. وطوَّرت الشيشان وداغستان، أكبر جمهوريتين في المنطقة، علاقات وثيقة مع السعودية والإمارات، وزار زعماء البلدين مرارًا دول مجلس التعاون الخليجي، واستضافا بدورهما مسؤولين خليجيين. وبقدر ما تؤيد موسكو التواصل بين مختلف أجزاء البلاد والدول الأخرى، فإنها تخشى من أن تقع المناطق المسلمة تحت التأثير المفرط للأفراد أو المنظمات الدينية، لاسيما من المملكة العربية السعودية. كما يزعم مكتب الأمن الفيدرالي الروسي أنه عثر في مناسبات عديدة على مطبوعات سعودية في داغستان وإنجوشيا تروِّج للأيديولوجيات المتطرفة. ويخشى مسؤولو الأمن في روسيا أن تنضم أعداد كبيرة من الشباب المسلمين الروس الذين يسافرون للدراسة في الشرق الأوسط (يبلغ عددهم – وفق أرقام غير رسمية قدمتها الخارجية الروسية – أكثر من 4 آلاف طالب روسي سنويًا، يلتحقون بجامعات في مختلف أنحاء المنطقة) يخشون أن ينضموا إلى الحركات الراديكالية بمجرد عودتهم إلى الوطن. صحيحٌ أن الغالبية العظمى من هؤلاء الطلاب يطيحون بهذه المخاوف، لكن الحكومة الروسية برغم ذلك تريد ضمان استمرارية السيطرة على الحوار الديني بين الشرق الأوسط وشمال القوقاز. المصالح الاقتصادية لم تقم بعدُ علاقات تجارية كبيرة بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. ففي عام 2012، بلغ حجم التجارة بين الطرفين 2.5 مليار دولار فقط، وهو الرقم المتواضع جدًا مقارنة بحجم التبادل التجاري بين الصين والخليج الذي يبلغ 150 مليار دولار. وبدورها تعمل موسكو على تدارك هذا العجز، لاسيما في هذا الوقت بالغ الأهمية؛ ذلك أن تدهور العلاقات مع بروكسل وواشنطن، نتيجة أزمة القرم، يعني أن التبادل التجاري مع الغرب سوف يتراجع، وسيبتعد المستثمرون عن روسيا في المستقبل القريب. في صيف عام 2013، أسَّس صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي وشركة مبادلة للتنمية في أبو ظبي صندوق استثمار مشترك بقيمة ملياري دولار سعيا وراء الفرص في روسيا؛ وقد أبلى بلاءً حسنًا، جديرًا بطمأنة المستثمرين الخليجيين والبنوك أن روسيا مكان آمن للاستثمار. ورغم أن هذا الإجراء فريد من نوعه، يتعين على روسيا، لجذب المزيد من مستثمري دول مجلس التعاون الخليجي، تقديم سجل من الاستقرار الاقتصادي والسياسي والشفافية لهذه الدول لتقليل المخاطر الاستثمارية المحتملة. الطاقة؛ مجالٌ آخر للتعاون المشترك بين الطرفين. فشركة “غازبروم” الحكومية الروسية تنظر لدول الخليج باعتبارها مشتريًا محتملاً للغاز الطبيعي المسال. وبعد أن خيَّمت العقوبات الاقتصادية الغربية على سماء الشركة، نتيجة أزمة القرم، تدفع غازبروم بقوة لتوقيع عقود مع الكويت والإمارات. ولحسن حظ “غازبروم”، تحتاج الكويت إلى غاز طبيعي مسال، حيث إن إنتاج الدولة الخليجية الصغيرة لا يكفي طلبها المتزايد. كما تتطلع الشركة الروسية إلى دبي كعميل محتمل، في ضوء بناء محطة إﻋﺎدة تحويل اﻟﻐﺎز اﻟﻤﺴﺎل إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺘﻪ اﻟﻐﺎزﻳﺔ Regasification (التغويز) في الإمارة. وبالفعل تعتبر دبي مركز جذب لشركات الطاقة الروسية. على سبيل المثال، اختارت لوك أويل، ثاني أكبر شركة نفط في روسيا، دبي لتصبح مقرًا لها في الخارج بعدما حصلت على صفقة لتطوير حقل “غرب القرنة 2” العراقي. الخلاصة: كانت موسكو في الماضي تفتقر إلى القوة السياسية اللازمة للوصول إلى دول مجلس التعاون الخليجي. لكن بعدما استعادت مؤخرًا بعض نفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، تتطلع روسيا لتعزيز وجودها في منطقة الخليج. ورغم ذلك، من الخطأ افتراض أن الروس ينظرون إلى دول الخليج باعتبارها أرضًا للفرص الاقتصادية اللانهائية. بل تهدف روسيا في الأساس إلى التأثير على سياسات الدول الخليجية تجاه القضايا الأخرى في الشرق الأوسط. حيث تريد موسكو أن تمسك بزمام السيطرة على تطورات الصراع في سوريا والمفاوضات النووية الإيرانية، وهما الملفان اللذان تتناقض حولهما المواقف الروسية والخليجية. وإذا استطاع الكرملين تسوية هذه الخلافات، يعتقد الروس أن بإمكانهم قطع أشواط واسعة نحو أحد أهم أهدافهم: إسقاط الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة في المنطقة.