شارك على Facebook شارك على Twitter شارك على Google+ شارك على Reddit شارك على Pinterest شارك على Linkedin شارك على Tumblr ترجمة: علاء البشبيشي كان الاتفاق النوويّ الإيرانيّ يمثل بالفعل نقطة تحوُّل في ميزان القوى داخل منطقة الشرق الأوسط. حيث كان تأثير الصفقة مزدوجًا: – في الواقع، مُنِحت إيران فرصة لتجميد مسيرتها صوب امتلاك سلاح نووي لنحو 15 عاما، في أحسن الأحوال، في مقابل تطبيع العلاقات الدولية. وحُرِّرَت طهران أيضا من قيود العقوبات الثقيلة، وأضيفت كمية كبيرة من الأموال إلى خزائنها، وضُخَّت دماء الثقة بالنفس في شرايين مؤسستها السياسية، وتأكَّد أن تحدَّي المعايير الدولية وعدم احترامها يمكن في الواقع أن يعود بالخير الوفير. – لكن على مستوى التصورات، ضخَّم الاتفاق النووي الانطباع المسبق بأن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة. بل سُبِقَت الصفقة بالفعل بخفضِ مستوى التدخل الأمريكي في المنطقة. وهو السياق الذي ساعد على تأطير التصور العربي لانحياز الولايات المتحدة إلى جانب إيران، وتخليها عن حلفائها التقليديين في المنطقة. وسبق أن شاهدنا بعض النظريات نصف الناضجة عن تعاون الولايات المتحدة مع إيران فيما يتعلق بالشرق الأوسط بعد الصفقة النووية. واطلعنا أيضا على نظريات أخرى تُضَخِّم تأثير الصفقة على مواقف المعتدلين في طهران، وكيف ستساعد روحاني. بيدَ أن الأمور سارت في اتجاه مختلف. فاختارت إيران، بعد توقيع الاتفاق، سياسة إقليمية أكثر عدوانية، ورفعت سقف طموحاتها الإقليمية. – فلماذا جاءت هذه الافتراضات الخاطئة، حول إيران المتعاوِنة، مخالفة تماما لما حدث في الواقع؟ – أحد الأسباب قد يكون ناجمًا عن القراءة الخاطئة تماما لنوايا إيران قبل الاتفاق، والدور المخطط للبرنامج النووي في مسارها الاستراتيجي داخل الشرق الأوسط. لم تكن إيران تنوي بتاتا، قبل الصفقة ولا بعدها، أن تغير سلوكها الإقليمي، ولا تنسق سياساتها مع الولايات المتحدة. أما افتراض أن نوايا إيران يمكن تعديلها بموجب الاتفاق فقد كان خارج السياق تماما. وكان ينبغي أن يكون الافتراض الصحيح هو: أن العدوانية الإيرانية سوف تزيد، ولن تنخفض، بعد الصفقة. على أي حال، تمخَّض هذا الوضع عن إشكالية لأمريكا والعرب: – فالولايات المتحدة- نتيجةً للاستراتيجية السابقة، القائمة على الحد من التدخل في أزمة الشرق الأوسط، وكذا الاتفاق النووي- اتجهت لتقليل نفوذها الإقليمي إلى مستوى مُقلِق. وسبق أن كتبنا في “ميدل إيست بريفنج” قبل بضعة أشهر من توقيع الاتفاق أن “الولايات المتحدة تخسر العرب ولا تكسب الإيرانيين” (م. إ. ب، مارس 2015). أردنا أن نشير إلى المستويات الخطيرة التي انخفض إليها النفوذ الأمريكي في المنطقة عند تلك النقطة. ومع ذلك، تم توقيع اتفاق على أي حال. وبينما قد لا تكون الصفقة في حد ذاتها مرفوضة، كما قلنا مرارا وتكرارا، كان المقلق تحديدًا هو العلاقة بين توقيع الاتفاق وعواقبه من جهة، واستراتيجية طهران الإقليمية من جهة أخرى. لذلك، تمخضت الصفقة عن سياقٍ زادت فيه إيران من عدوانيتها الإقليمية، وخفضت الولايات المتحدة من نفوذها، بينما كانت تنتظر لفتةً من طهران تُعرب عن استعدادها للتنسيق، فيما كان العرب يشعرون بخذلان حليفهم التقليدي. هذه البنية كانت حمَّالة مشاكل. إذ سرعان ما ظهرت مشكلة كبيرة على الأرض: وجَّهت طهران دعوة للرئيس فلاديمير بوتين للذهاب إلى سوريا، ويحتمل أن تكون العراق المحطة القادمة. كان من الواضح أن جدول الأعمال الإقليمي كان يُجهَّز للقيام بدور قيادي تلعبه إيران وروسيا، في لحظة قرار فرضته الولايات المتحدة طوعًا على نفسها بالحد من تدخلها في المنطقة. كانت الصورة الكاملة مثيرة للسخرية. ففي حين كانت الولايات المتحدة تأمل أن يزيد الاتفاق النووي نفوذها الإقليمي، ويقلل من نفوذ روسيا، كان بوتين، بدعوةٍ من إيران، يتحرك في الاتجاه المعاكس. نوعا ما، كان الاتفاق النووي مفترق طرق في الشرق الأوسط، كما تراه الولايات المتحدة وروسيا. لكن الآن، تعود الولايات المتحدة تدريجيا وبحذر إلى الشرق الأوسط، حيث فكَّك الواقع التفكير بالأمنيات والاستراتيجيات المثالية. وبعد وضوح صورة الشرق الأوسط ما بعد الاتفاق النووي تقريبا الآن، يتم تدشين منصة أقوى للتنسيق العربي-الأمريكي. هذه المنصة يمكن تلخيصها في كلمتين: احتواء إيران. هذا الميزان يُنصَب الآن عبر سوريا والعراق. وينبغي ذلك؛ لتجنيب المنطقة ويلات التخريب الإيراني في المستقبل. أما أولئك الذين يقولون: إن إيران لا تفعل شيئا “تخريبيًا” في المنطقة، فنحن نسألهم ببساطة: لماذا تسلل الإيرانيون إلى العراق بعد الغزو الامريكي وقتلوا الأمريكيين والعراقيين؛ للتلاعب بالمسرح السياسي لصالحهم؟ وماذا عن العصابات الإرهابية التي اعتُقِلَت في الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية؟ سنسألهم عن السفن التي تحمل أسلحة للحوثيين في اليمن، وتم رصدها وتوقيفها قبالة الشواطئ اليمنية. وسنسأل أيضا عن الحرس الثوري في لبنان وسوريا والبحرين. هذا ليس سياحة، بل تخريب وإرهاب. أما المعركة السورية فتقوم الآن بتشكيل توازن القوى في المنطقة. ذلك أن سوريا هي المكان الذي تختبر فيه روسيا والولايات المتحدة وإيران والعرب وتركيا قدراتها على تشكيل الديناميكيات الإقليمية. وهو المشهد الذي يختلف عما كان عليه الوضع قبل قرابة 10-15 عاما، حين لم يكن هناك سوى الولايات المتحدة والعرب هم الذين يشكلون هذه الديناميكات. هذا التغيير يرجع أساسا إلى ثلاثة عوامل: الأول: هو زلزال عام 2011، الذي ألحق ضررا بالغًا بنظام الأمن الإقليمي. والثاني: هو التقدم الذي أحرزته إيران في بناء قدراتها في ميداني الحرب غير المتكافئة والقدرات العسكرية. والثالث: كان التراجع التدريجي في دور الولايات المتحدة إقليميًا. وفي سوريا والعراق، يجب أن تتعلم إيران أن الجسر الذي يربطها بالمنطقة يجب أن يُبنى بلبِنات التجارة والتنمية والتعاون لبناء مستقبلٍ إقليميٍّ مشترك لجميع دول المنطقة، وليس عبر الحرب غير المتماثلة والتخريب والتدخل؛ لإحداث المزيد من الكوارث، مثل تلك التي تعاني منها سوريا والعراق. وسوريا والعراق هما ميدان إعادة تقويم موازين القوى في الشرق الأوسط. أما أولئك الذين ما يزالون يعتقدون أن إيران يمكن أن تصبح معتدلة، فنحن نقول ببساطة: انتظروا المزيد من المفاجآت السيئة. إيران لا تخضع حاليا لعملية تحوُّل لتصبح قوة أقل عدوانية. بل على العكس من ذلك، إنها تتحول إلى قوة أكثر عدوانية بعد الاتفاق النووي. وللمساعدة في إعادة تشكيل سياسات إيران الإقليمية، لا بد أن تعلم طهران أن التخريب لن يجلب سوى المتاعب ليس فقط لمؤسستها السياسية ولكن أيضًا لشعبها. للأسف، لا توجد وسيلة أخرى لإقناع الحرس الثوري الإيراني بتغيير أسلوبه. بل في الواقع، يتعارض السلام الإقليمي تماما مع طبيعة “وسبب وجود” سرايا القدس بقيادة السيد سليماني. فما الذي يمكن بالضبط أن يحفز الحرس الثوري على السعي لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة؟ ففي الواقع، كان القلق الرئيس لدى قاد “الحرس” بعد توقيع الاتفاق النووي هو أن تكون طهران قد دُفِعَت للعب دور إقليمي أكثر إيجابية. على الولايات المتحدة والدول العربية إعادة بناء استراتيجياتهم الإقليمية، وعلاقات العمل؛ من أجل تعليم الإيرانيين الحقيقة الواحدة والبسيطة التي يبدو أنهم لا يفهموها: أن العالم العربي ليس فارسيًا، ومحاولات جعله فارسيًا سيكون ثمنها باهظا. ويجب أن لا تتراجع علاقات العمل العربية-الأمريكية لمستوى صفقات الأسلحة. فهذه ليس سوى وصفة لمزيد من المتاعب. وإذا لم تتوقف إيران عن التدخل ودعوة آخرين، أمثال بوتين، للتدخل؛ فإن الأزمة الإقليمية ستكون ثقبا أسودا في النظام العالمي. يجب تجنب تحوَّل الشرق الأوسط اليوم إلى أوروبا ما قبل الحرب العالمية الأولى. ولفعل ذلك، على إيران أن تفهم أن ذلك لم يحدث بعد. كما ينبغي مناقشة تدابير واضحة، وشكل علنيّ؛ ليدرك الإيرانيون أن أعمالهم قد تكلفهم ثمنا باهظا. ومن خلال المجاهرة بهذا الثمن، سوف يُثني العالمُ الشعبَ الايرانيّ عن الاستماع إلى خطاب المتعصبين. إن المجتمع الدولي والشعب الايراني يعرضان الشرق الأوسط لخطر كبير إذا كانوا يصدقون البيانات المعسولة التي تصدر عن الدبلوماسيين وبعض السياسيين في طهران. ما يهم هو الإجراءات. وبلغة الإجراءات، فإن رؤية السيد سليماني يسافر في المنطقة، كما لو أنها انضمت بالفعل إلى الهلوسة الوهمية حول “الإمبراطورية الفارسية العظمى” المنبعثة من الرماد.