ترجمة: علاء البشبيشي

التلميحات الأخيرة بأن حكومة بغداد تفكر في خيار استدعاء الآلة العسكرية الروسية لمحاربة تنظيم الدولة على أراضيها؛ تُسَلِّط الضوء على دور موسكو كلاعبٍ شرقِ أوسطيّ جديد، يَتًّسِمُ بالحزم لكنه أيضًا يثير المخاوف من أن دروس “التوسع الإمبريالي المفرط” التي تعلمها الاتحاد السوفيتي بالطريقة الصعبة في أفغانستان، خلال السبعينيات، أصبحت طي النسيان.

تعاطف شيعيّ

يدور الآن نقاش مُوَسَّع حول احتمالية فتح روسيا “جبهة ثانية” في العراق، إلى جانب دوافع القيادة في بغداد. ويبدو أن إحدى هذه النقاشات يتناول المكاسب النفسية التي أحرزتها الجولة الأولى من الضربات الجوية الروسية ضد أهدافٍ في سوريا، والتي خلقت موقفا متعاطفًا في أوساط السكان الشيعة، الذين يقارنون بينها وبين الإنجازات المتواضعة التي حققتها حملة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة طيلة 12 شهرًا كاملة.

كما يشعر العديد من العراقيين بالاستياء حيال التوقعات المُسرِفة، والتي لم تتحقق، بشأن إعادة بناء الاحتلال الأمريكي للعراق. والغرق في نظرية المؤامرة يدفع البعض إلى القول بأن استمرار تنظيم الدولة في ساحة المعركة لا يمكن إلا أن يكون وفق خطة أمريكية كبيرة”، حسبما أشار مايكل جوردون، في مقاله المنشور مؤخرًا على صحيفة نيويورك تايمز.

استشهد الكاتب أيضا بما قاله محمد حسين الحكيم، رجل الدين الشيعي البارز، في سياق استعراضه للشعور الشعبي في البلاد: “يريد الشارع العراقي مشاركةً فعَّالة وعملية ضد تنظيم الدولة. ولا يتعلق الأمر بالتدخل العسكري الروسي في حد ذاته”.

هذا المزاج العام في أوساط الأغلبية الشيعية ينعكس على منشورات الفيس بوك، التي تتضمن صورًا مُعَدَّلَة بالفوتوشوب للرئيس بوتين وهو يرتدي عباءة شيخ قبلي من الجنوب، والتصريحات التي أدلى بها كبار المسئولين. 

تصريحات رسمية

حيث أشار حكيم الزاملي، رئيس لجنة الدفاع والأمن في البرلمان العراقي، إلى احتمالية توجيه طلب رسمي إلى موسكو، يتضمن دعوتها لشن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة داخل العراق. علاوة على ذلك، اقترح “الزاملي” أن يكون الائتلاف الذي تقوده روسيا لمكافحة تنظيم الدولة بديلا للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. 

ورغم أن رئيس الوزراء العرقي حيدر البغدادي لا يزال أكثر تحفظا، إلا أن التصريح الذي أدلى به في برنامج نيوز أور على قناة PBS، كان مُعَبِّرًا، إذ قال: “داخل العراق، هناك أشخاص شديدو الخطورة، لذلك أعتقد أن مشاركة الروس ستساعدني”. 

تقييم الخبراء

وينقسم الخبراء حول تقييم احتمالية توسيع العمليات العسكرية الروسية في المنطقة، وبدء حملة ضد تنظيم الدولة في العراق أيضًا. 

– هل هذا حقًا محتمل؟ 

في تصريحاته لتقرير ترويكا، ذكر يفغيني ساتانوفسكي، رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط ومقره موسكو، شرطين أساسيين، قائلا: يسيطر تنظيم الدولة على نصف أراضي سوريا و40% من أراضي العراق. (ستتدخل موسكو)… إذا طلبت الحكومة العراقية المساعدة من نظيرتها الروسية لتحرير أرضها، ووافق السياسيون والقادة العسكريون الروس على هذا الطلب”. 

طبقة سياسية مفككة

والحقيقة أن الطبقة السياسية في العراق مفككة، والعديد من الجماعات والعشائر تعارض هذه الدعوة الموجهة لروسيا، وإذا حدث ذلك فإنه قد يزعزع الاستقرار السياسي.

“المشكلة هي أنه لم يعد هناك بلد موحد. هناك مناطق يسيطر عليها الأكراد، وأخرى يديرها الشيعة، وثالثة يهيمن عليها السنة، ورابعة تخضع لحكم الإرهابيين. أما العراق الذي كان قائمًا قبل 10-15 عاما، فلم يعد له وجود الآن”. على حد قول ساتانوفسكي. 

وأضاف: “إذا وجَّه رئيس وزراء العراق وحكومته دعوة إلى روسيا، أعتقد أن الكرملين سينظر في كافة الخيارات، وما إذا كان بإمكاننا التأثير على مجرى الأحداث في العراق. وإذا قرر بوتين أن هذا هو المسار المعقول للعمل، فسوف يحدث ذلك، وإلا فلا. وحينها سوف نتركها للأمريكيين وحلفائهم”. 

وأردف: “الشيء الأكثر إثارة للاهتمام اليوم هو: إذا كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ناجحا، ليس بشكل كامل ولكن جزئيًا على الأقل، فلماذا يناقش رئيس الوزراء العراقي خيار انضمام روسيا إلى الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق أيضًا؟”.

تهديد الاستقرار السياسي

كل هذا يبدو محتملا إذا لم يكن الأمر متعلقا بالصراعات الداخلية، والمصالح والآراء المتباينة، في أوساط الطبقة السياسية وداخل المجتمع العراقي. 

يقول جريجوري كوساش، أستاذ في الدراسات الشرقية في الجامعة الروسية الحكومية للعلوم الإنسانية: إن القوى النافذة تعارض الفكرة ويرى أكراد العراق، فضلا عن رجال الدين السنة وصناع الرأي العام، أنها ضارة بمصالحهم الوطنية. 

مضيفًا: “إذا اتخذ رئيس الوزراء حيدر البغدادي قرارا لصالح هذه الخطوة، سوف يُنصَح بالحصول أولا على موافقة كافة الأطراف المعنية. أما إذا تصرف من تلقاء نفسه، فسيعتبر ذلك قرارا أحادي الجانب، سووف يثير عدم استقرار سياسي”.

الخط الأحمر الروسي

وتفيد التقارير بأن الطائرات العراقية المقاتلة تستخدم بالفعل البيانات الاستخباراتية التي يقدمها الروس، من خلال مركز تنسيق بغداد الذي دشنته موسكو وطهران ودمشق، لتوجيه ضرباتها ضد الأهداف التابعة لتنظيم الدولة. 

ومع ذلك، استنادا إلى بيان وزير الخارجية الروسي لافروف، فإن موسكو تقصر مشاركتها العسكرية على الجبهة السورية.

يبدو أن هذا هو أقصى ما كانت روسيا ترغب في الذهاب إليه، على الأقل في الوقت الراهن. وأن روسيا رسمت خطا أحمر لنفسها، تاركة العراق، ومهمة تطهيره من الجهاديين الإسلاميين، إلى أعضاء آخرين في التحالف غير الرسمي المناهض الذي تقوده روسيا ضد تنظيم الدولة.

 

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم العالم بالعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على الاقتصاد في المستقبل

يمكن للمؤسسات (الإعلامية والبحثية إلخ) الحصول على تقاريرنا حصريًا الآن. لمعرفة المزيد حول …