في العمق قمران بخاري- جيوبوليتيكال فيوتشرز: محاولة لفهم محادثات السلام لـ العالم بالعربية منشور في 0 second read 0 شارك على Facebook شارك على Twitter شارك على Google+ شارك على Reddit شارك على Pinterest شارك على Linkedin شارك على Tumblr Men walk along a street, with Nur-Astana mosque seen in the background, in Astana on January 22, 2017. The so-called Astana peace talks, set to begin on Monday, will be the first time a delegation composed exclusively of rebel groups will negotiate with the regime of Syrian President Bashar al-Assad. / AFP / Kirill KUDRYAVTSEV (Photo credit should read KIRILL KUDRYAVTSEV/AFP/Getty Images) ترجمة: د. محمود عبد الحليم – خاص العالم بالعربية البحث عن السلام وهم أم حقيقة؟ تثير محادثات السلام قدراً كبيراً من اهتمام الناس، وهو أمر طبيعي بالنظر الى حاجة الانسان الى وضع نهاية للصراعات. وفي الغالب تستأثر المحادثات التي تجلس فيها الأطراف المتحاربة للتفاوض حول وسيلة لإنهاء الحرب على قدر كبير من متابعة وسائل الاعلام. لكن الشيء الذي يغيب غالباً عن أذهان البعض أن النذر القليل من هذه الجلسات يمكن اعتباره جهوداً جادة لإنهاء القتال. الكثير من تلك المؤتمرات إن لم يكن معظمها ينعقد لأن من يمولون الأطراف المتحاربة أو الوسطاء يريد كل منهم أن يقنع جمهوره إنه يعمل على تحقيق السلام حتى وان كانوا يعلمون أن الحرب الدائرة الآن لن تضع أوزارها قبل وقت طويل. سلام سوريا في “الآستانة” وها هي جولة جديدة من مباحثات السلام السورية تنطلق هذه المرة في “الآستانة” عاصمة “كازاخستان”. ويصف البعض هذه المحاولة الأخيرة لإنهاء ما يقرب من ست سنوات من الصراع في الشام على أنها مختلفة عن سابقيها. وحجتهم في ذلك أن مرد هذا الاختلاف هو أن هناك اتفاقاً بين روسيا وتركيا وهما الداعمان الرئيسيان للأطراف المتحاربين. لكننا سمعنا مثل هذا التفاؤل من قبل مراراً وتكراراً، ولم نجن غير خيبة الأمل. سؤال قديم جديد أجريت المئات من اللقاءات الإعلامية منذ دخولي هذا الميدان وعبر سنوات خبرتي فيه كمحلل للمعلومات الجيوبوليتيكية، بل إني لا أذكر عدد المرات التي طلب مني فيها التعليق على مفاوضات سلام كان الفشل محصلتها الأخيرة، وفي كل مرة تتحدث وسائل الاعلام عن أن هناك أمل في نجاح المفاوضات هذه المرة. وكان ردي المعتاد، باستثناء حالات قليلة، أن المفاوضات لا طائل منها. ودوماً سيتكرر الامر في المستقبل وسيطلبون منى الإجابة على نفس السؤال من جديد، لذلك رأيت أنه سيكون من المفيد الاستطراد في الحديث عن فشل الكثير من مفاوضات السلام. ولأبدأ بهذه المباحثات السورية الأخيرة التي ترعاها روسيا وتركيا. القول بإن اشتراك الجهات التي ترعي النظام السوري والمتمردين في عملية التفاوض لا يعني أنها ستكلل بالنجاح. حسابات القوة في المشهد السوري الواقع أن احتمالات فشلها أكبر. إذا أردنا أن نفهم السبب في ذلك علينا أن نمعن النظر في السياق الذي تنعقد من خلاله هذه المباحثات. تأتي هذه الجولة الأخيرة من المفاوضات بعد أسابيع من انتصار النظام على المتمردين في حلب، أكبر المدن السورية، واخراجهم منها هو تتويج لتنامي قوة النظام في السنوات الثلاث الأخيرة. لكن المتمردين لم ينهزموا هزيمة كاملة حيث أنهم لا يزالون يسيطرون على منطقة “ادلب” المجاورة لحلب ولا يزالون يحتفظون ببعض الجيوب بالقرب من العاصمة دمشق. بيد أن ما حدث في حلب أضعف شوكة المتمردين ونال من روحهم المعنوية كثيراً، وعمق من مشكلتهم الأزلية المتمثلة في انقسامهم الى فصائل عديدة. إذن إذا كان النظام منتصراً فما الذي يجعله جاداً في التفاوض مع طرف لا يملك إلا الهزيمة؟ وعلى الجانب الآخر ما الذي يتوقع المتمردون أن يجنوه من التفاوض وهم ليس لديهم ما يفاوضوا به على طاولة المفاوضات؟ ليس هناك ما يدفع النظام للدخول في اتفاق يتقاسم فيه السيطرة مع متمردين تعصف بهم رياح الفرقة عصفاً شديداً، وليس لدى المتمردين أمل في الخروج ولو بشيء يسير من الكعكة السياسية. غنائم الفرقاء من المحادثات إذن ما هو السبب الحقيقي وراء انعقاد هذه المحادثات؟ المتمردون، من جهتهم، وفي ضوء خسائرهم في الميدان، يحتاجون للحفاظ على أنفسهم كطرف في اللعبة، والنظام، من جهته، يرى فيها فرصة لترميم مصداقيته التي فقدها على الساحة الدولية وللظهور بدور الطرف العاقل. أما روسيا وتركيا فلكل منهما مصالحه. تريد روسيا أن تظهر كواحدة من اللاعبين الكبار على مسرح السياسة الدولية في الوقت الذي تخصم متاعبها الاقتصادية من قوتها السياسية. وهي في أمس الحاجة لدعم موقفها عند التعامل مع واشنطن خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة “ترامب” يبدو أنها عازمة على ان يكون لها مصلحة مع روسيا. وتركيا ترى ضرورة أن يكون لها يد في إدارة سوريا والتنسيق مع روسيا. لقد غل تشرذم المتمردين يد تركيا، وهذه المحادثات تفتح الباب لها من جديد لكي تستعيد وضعها على مائدة التفاوض. يد للسلام ويد لها بندقية لذلك فان ما نراه هو محادثات لن تؤدي الى سلام بل يتم توظيفها من اجل أهداف أخرى. تختلف باختلاف الطرف الذي نتحدث عنه. ومن المعتقدات الخاطئة الشائعة أن وقف العمليات العدائية مطلب ضروري قبل انطلاق المفاوضات. العكس هو الصحيح، إذ لن يتأتى لطرف محارب أن يجبر الطرف الآخر على قبول تسوية ما إذا تخلى عن التهديد. ولهذا السبب فمن الطبيعي أن يدخل مبعوثو السلام من الجانبين، وهم جالسون على نفس المائدة، في حوار مهذب في الوقت الذي تقوم فيه القوات العسكرية لكل طرف منهم بذبح بعضها البعض في ميادين القتال. في المفاوضات التي تأخذ منحى جاداً نحو انهاء الصراع، يود كل طرف أن يتفاوض من منطلق قوة نسبي، بهدف اشعار الآخر بقدرته على مواصلة القتال وإلحاق خسائر أكبر به، لكنه مع ذلك يفضل السلام. وفي نفس الوقت يحاول كل طرف أن يظهر نقاط ضعف الطرف الآخر، وبهذه الصورة يأمل كل طرف في الضغط على الآخر حتى يذعن لأكبر عدد من الشروط. الوصول الى اتفاق هو المحصلة لهذه العملية المضنية التي تنطوي على معادلة متوازنة يشعر كل طرف فيها أن الطرف الآخر قد قبل الحد الأدنى من مطالبه مقابل تنازلات، بمعني أن مكاسب انهاء القتال تفوق تكلفة الحرب. لكن تبقى نقطة الانطلاق الأولى في هذه العملية هي عدم قدرة أي طرف منهما على فرض حل عسكري على الطرف الاخر. مفاوضات طالبان وتأجيل الحسم وهذا هو السبب في أن المحادثات مع “طالبان” في أفغانستان تدور منذ سنين دون أن يلوح أي تقدم في الأفق. فالمؤكد أن طالبان تحتاج للمحادثات لكي تكتسب شرعية دولية وليعتبرها الآخرون حركة وطنية حقيقية، غير أنها، بحكم أنها صاحبة الكلمة العليا في ميدان القتال، ليس لديها دافع قوي لأن تكون جادة في التفاوض لإنهاء تمردها، على الأقل في الوقت الحالي. فهي ترى أن الوقت في صالحها، لذلك تريد أن تعزز من مكاسبها في ميدان المعركة حتى تستطيع أن تملي شروطها عند الجلوس لتسوية في نهاية المطاف. محادثات مصر وإسرائيل: عبرة وآية تمثل المحادثات بين مصر وإسرائيل في سبعينيات القرن الماضي مثالاً لمباحثات السلام الناجحة. فقد أجبرت حرب 1973 البلدين على انهاء حالة الحرب التي استمرت بينهما لثلاثين عاماً. فقد نجح الهجوم المصري المفاجئ في أن يغير مفهوم الإسرائيليين عن السلام بحيث أصبحت إسرائيل ترى أن أمنها يتوقف على انهاء الأعمال العدائية مع أكبر دولة عربية، وبنفس المنطق، أدرك المصريون أنه ليس بمقدورهم هزيمة إسرائيل في الميدان، والحقيقة أن هناك من يذهب الى أن مصر قد بدأت الحرب لتحسين موقفها التفاوضي واسترداد أراض فقدتها في حرب 1967. يعج التاريخ بمحاولات التفاوض للوصول الى تسويات سلمية للصراعات، وفي أي من تلك الصراعات ستنعقد كثير من الاجتماعات، لكن معظم تلك الاجتماعات لن تزيد عن كونها محاولات تحسينية لتحقيق أهداف على هامش اتفاق سلام حقيقي، فالجهود الحقيقية للدخول في مفاوضات سلام نادرة وتحكمها الحقائق التي تشهد عليها ميادين القتال.