الرئيسية في العمق محور الاعـ (لا) ـتراض!

محور الاعـ (لا) ـتراض!

2 second read
0

أسهم الربيع العربي في تدشين تحالف عَرَضِيّ بين موسكو وبكين.. صدفةٌ ربما تكون خيرًا من ألفٍ اتفاق!

هل تذكر الانقسام السوفيتي- الصيني؟ يبدو أن موسكو وبكين نسياه، بل وجدَا طريقًا للتقارب أكثر، في خضَمِّ التطورات الراهنة التي يشهدها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اجتمعَا على رفض المبادرات الغربية، أو تسجيل اعتراضاتهم. وهو الأمر الذي ينظر إليه البعض باعتباره تضامنًا بين حكومتين استبداديتين، بينما يراه آخرون جهدًا منسَّقًا يهدف إلى تخفيف القبضة الأمريكية والغربية على السياسة الدولية، ومن ثَمَّ تفكيكها في نهاية المطاف.

ورغم تقارب هاتين الرؤيتين، إلا أنَّ الحقيقة أكثر شمولاً، وتحتاج إلى فهم أفضل من قِبل السياسة وصُنَّاعُها في الغرب.

بادئ ذي بدء، لا توجد أيدلوجية في هذا السياق. فرغم أنَّ الصين لا تزال تطلق على نفسها (شيوعية)، فقد عارضت لفترةٍ طويلةٍ العقيدةَ الماوية، حتى في علاقاتها الخارجية. وفي روسيا سقطت الشيوعية منذ عقدين من الزمان. صحيح أنَّ الدولتين مستبدتين، حتى إذا كانت إحداهما أكثر اعتدالاً والأخرى أكثر تنوعًا. ومع ذلك، ليس مثل الاستبداد دافعًا للتضامن بين الحكومات المستبدة، وكلٌّ من روسيا والصين، تنتهج البراجماتية، في المقام الأول.

هناك أيضًا لون من المنافسة الجيوسياسية في المنطقة بين البلدين، فالمصالح الصينية في العالم اقتصادية بالأساس؛ حيث تعتمد على إيران، على سبيل المثال، في الحصول على النفط التي تستورده من الشرق الأوسط. والشركات الصينية مشتركة في عدد من المشروعات في أنحاء الإقليم. كما أنَّ الحرب الليبية خلَّفت 20 ألف عامل صيني وقد تقطعت بهم السبل. وهو نفس ما حدث مع عدد مماثل من السياح الروس في مصر بعد سقوط نظام مبارك. لكن موسكو بالطبع تضع مصالحها فوق مجرد اهتمامها ببعض المصطافين، باعتبارها المزوّد الرئيس لعدد من الدول بالأسلحة وتكنولوجيا الطاقة النووية، لكنها بالتأكيد ليست في سباق مع واشنطن لإحراز تفوق إقليمي.

ولا يشعر أيّ من موسكو وبكين بالانجذاب لحكام الشرق الأوسط.. حسني مبارك، برغم كل شيء، كان حليفًا للولايات المتحدة لفترة طويلة، وكان نظيره التونسي زين العابدين بن علي مقربًا من باريس، والقذافي عقد سلامًا مع الغرب في 2003. لكن الرئيس السوري بشار الأسد مختلف؛ حيث اعتادت سوريا على أن تكون حليفة موسكو في أيام الحرب الباردة، وحافظت على علاقتها الجيدة مع روسيا حتى الوقت الحاضر، الجيش السوري يُزَوّد بأسلحة روسية الصنع منذ ستينات القرن الفائت، وميناء طرطوس المتوسطي يعتبر مقرًّا لمنشأة تستخدمها البحرية الروسية.

بالتأكيد، روسيا غير راغبة في خسارة سوريا، لكن مع تأرجح مصير الأسد منذ مارس، فتحت موسكو قنوات تواصل مع المعارضة السورية. وفي الوقت الذي تستضيف فيه موسكو أعداء الأسد، وتعرب عن استيائها من العنف، تحثّ روسيا دمشق على بدء إصلاح سياسي، رغم عرقلتها الإدانة الرسمية في مجلس الأمن لممارسات الحكومة السورية. وكان تصرف بكين مشابهًا إلى حدٍّ كبير: مطالبة دمشق بإصلاح سياسي، وفي ذات الوقت إجراء محادثات مع الحكومة السورية والمعارضة، بموازاة رفض دعم فَرْض عقوبات على سوريا.

الموقف الرسمي الصيني يعلن الدعم للشعب السوري. لكن هناك فارق كبير بين هذا الموقف، واتجاهات الحكومات الغربية. فبالنسبة لكثيرين في الغرب، يُنظر لهذا الـ “دعم” باعتباره تدخلاً نشيطًا، لا يَستبعد، من حيث المبدأ، استخدامَ القوة.

بالنسبة للصينيين، يعني ذلك السماح للسوريين بترتيب الأمور داخليًّا دون تدخُّل خارجي والاعتراف في نهاية المطاف باختيار الشعب، كما فعلت بكين، أخيرًا، في ليبيا.

ومثل الصين، تُعارض روسيا التدخُّل العسكري الغربي في الشئون الداخلية للدول الأخرى، سواء كان ذلك باسم الإنسانية أو الديمقراطية. لكن الأمر يتخطَّى تخوفات موسكو وبكين بشأن أمنهم الخاص. وقد أثبتت ليبيا لكلتا القوتين أن الغرب، الذي يعمل تحت ضغط دوائر حقوق الإنسان الأهلية (الغائبة بالطبع عن المشهد الصيني والروسي)، يمكنها التورُّط في حروب أهلية أجنبية حتى في حال كان قادتها ينبغي أن يعرفوا أكثر.

الصينيون والروس، الذين يمتلكون استخبارات أقوى، لا يمتلكون إجابات حاسمة للأسئلة المطروحة بعد سقوط نظام الأسد. ومن شأن حربٍ أهليةٍ واسعة النطاق في سوريا أن تجعل ليبيا تتضاءل أثناء عقد مقارنة. ويتخوَّف الصينيون والروس من أن مثل هذا الصراع سيشكل تربة أكثر خصوبة للفتنة الطائفية والتطرف الديني، بدلاً من الديمقراطية وحكم القانون.

المعارضة السورية في قلب المنطقة تعني أيضًا أن نشوب أي صراع محلي شامل يمكنه التأثير على الجيران- خصوصًا لبنان وإسرائيل- ودفع أطراف إقليمية أخرى مثل حزب الله وحماس إلى التدخل. الروس يشعرون بالقلق من التطرُّف الإسلامي في شمال القوقاز ووسط آسيا، والصينيون، الذين يستوردون معظم نفطهم من الشرق الأوسط، لا يمكنهم الترحيب بسهولة بسقوط النظام السوري.

مبدئيًا، ممارسة ضغوط على دمشق بموازاة تسهيل الحوار داخل سوريا، من شأنه أن يساعد في منع هذا السيناريو الأسوأ. في الواقع، يجب أن تدرك موسكو وبكين أن الغرب أسقط الأسد من حساباتهم، وأنه يستعد في الواقع لتغيير النظام. النظر للأمور من هذه الزاوية، يجعل العقوبات خطوة في لعبة التصعيد التي لابدَّ وأن يتبعها مزيد من الإجراءات القوية، كما الحالة الليبية.

وتختلف سياسات الصين وروسيا تجاه سوريا عن نظريتها الأمريكية والأوروبية؛ لسببين رئيسيين: الأول أن موسكو وبكين تؤمنان بأن التدخل الشديد في صراعات الآخر الداخلية ليس حكيمًا أو ذا فائدة. الثاني، ليس لديهما مصلحة ملحة في الإطاحة بنظام الأسد كجزء من استراتيجية معاداة إيران. في كل الأحوال، يعتقد الصينيون والروس، الذين فوجئوا بداية العام الحالي بالثورات العربية، أنَّ الأمريكيين وحلفاءهم يتعاملون الآن وفق السياسات قصيرة المدى بدلاً من الحسابات المعقدة طويلة المدى.

كل هذا القلق أو بعضه يمكن أن يكون في محلّه، لكن على موسكو وبكين أن يعترفَا بأن دور الناقد مختلف عن دور القائد الذي تطمع فيه روسيا، ولا تستطيع الصين الهروب منه إلى الأبد. القيادة العالمية الجديدة تدعو إلى طرح بدائل واقعية، والتواصل مع الآخرين، وبناء الإجماع، مصرحين بأن مجرد قول (لا) وحده لا يكفي.
طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم في العمق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: استعادة «الغمر والباقورة».. قمة جبل الجليد في العلاقات الباردة بين الأردن وإسرائيل

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …