الرئيسية أقليات مسلمة في البيت الأبيض.. بعد تنصيب “ترامب”

مسلمة في البيت الأبيض.. بعد تنصيب “ترامب”

0 second read
0

رومانا أحمد-  ذي أتلانتك

ترجمة: د. محمود عبد الحليم

العمل بالبيت الأبيض: البداية والنهاية

فور تخرجي عام 2011 تعينت في البيت الأبيض واستقر بي الحال هناك في “مجلس الأمن القومي”، حيث كان عملي، أنا المسلمة المحجبة الوحيدة في ” الجناح الغربي” من البيت الأبيض، هو نشر أفضل القيم التي تمثلها بلادي والحفاظ عليها. والحقيقة أن إدارة الرئيس “أوباما” كانت تشعرني دوماً أنني واحدة منهم ولست غريبة عليهم.

ظللت معظم عام 2016، شأني شأن معظم المسلمين الأمريكيين أمثالي، نتابع في ترقب “دونالد ترامب” وهو يكيل لنا السباب. ورغم ذلك، أو بالأحرى من أجل ذلك، كان رأيي أنه ينبغي على أن أحتفظ بعملي في مجلس الأمن القومي ضمن إدارة الرئيس ترامب حتى أقدم للرئيس الجديد ولمساعديه صورة أكثر دقة عن الإسلام، وعن المواطن الأمريكي المسلم.

وقد كان… بقيت هناك ثمانية أيام.

عندما أصدر ترامب حظراً على القادمين من سبع دول ذي أغلبية مسلمة وعلى كل اللاجئين السوريين، أيقنت أنه لا سبيل لي للبقاء والعمل تحت إدارة تعتبرني أنا وأمثالي تهديداً لها ولسنا مواطنين مثلهم. قبل أن أغادر البيت الأبيض قلت لـ”مايكل أنتون” كبير مستشاري مجلس الأمن القومي لشئون الاتصالات إني راحلة لأنه ليس من المقبول أن أعمل كل يوم في أعرق مباني الولايات المتحدة في ظل إدارة تعارض وتسفه كل ما أمثله من قيم كمواطنة أمريكية مسلمة، وتنال من الأسس الرئيسة للديمقراطية. وأن على تلك الإدارة والكونجرس أن يستعدوا لتحمل مسئولية جميع العواقب التي قد تترتب على قراراتهم. عندها نظر لي ولاذ بالصمت.

الإسلام والغرب

فهمت لاحقاً سر ذلك الصمت عندما علمت أنه نشر مقالاً تحت اسم مستعار يمتدح فيه فضائل السلطة المطلقة ويهاجم “التنوع” على أنه نوع من “الضعف” ويصف الإسلام فيه على أنه “لا يتماشى مع الغرب الحديث”. حياتي كلها وكل ما تعلمته فيها يثبتان خطأ هذه العبارة الواهية. إذ كان والدي قد هاجرا للولايات المتحدة من بنجلاديش عام 1987 وجاهدا أن يهيئا الفرص لأبنائهم الذين ولدوا هنا، حيث عملت أمي كأمينة صندوق قبل أن تفتح نشاطها في رعاية الأطفال، أما أبي فقد كان يعمل لساعات متأخرة من الليل في “بنك أوف أمريكا” حتى ترقى أخيراً لمنصب مساعد نائب رئيس البنك في أحد مراكزه الرئيسة. وعاشت أسرتي الحلم الأمريكي بكل تفاصيله، وعاد أبي لاستكمال دراسته لدرجة الدكتوراه لكنه لقى مصرعه في حادث سيارة عام 1995.

رحلتي مع الحجاب

ارتديت الحجاب أول مرة وأنا في الثانية عشرة من عمري. صحيح أن أسرتي شجعتني، لكن ذلك كان أمراً نابعاً مني. كنت أراه رمزاً لديني، لهويتي، ولعزيمة شخصيتي. بعد الحادي عشر من سبتمبر تغير كل شيء. وعلاوة على ما عشته من صدمة ورعب وانكسار، كان على أن أتكيف مع الخوف الذي بدأ بعض الأطفال فجأة يحسون به تجاهي. قابلت نظرات الغضب، وتلقيت كلمات السباب، بل وبصق بعضهم على في المدرسة وفي الطريق العام، ونادوني بـ “الإرهابية”.

كان أبي قد علمني مثلاً من بنجلاديش له أساس في ديني:” عندما يدفعك شخص، انهض ومد اليه يدك واعتبره أخيك” ..السلام، الصبر، المثابرة، الاحترام، العفو، والكرامة…هذه هي القيم التي عشت بها في حياتي وفي عملي.

إدارة أوباما: صورة من الداخل

لم أكن أنوي أبداً العمل في الحكومة، إذ كنت من الذين يفترضون أن الفساد والفشل قرينان لها، لكن العمل في البيت الأبيض تحت إدارة أوباما أثبت لي أنني لم أكن على صواب. إذ ليس بمقدور المرء أن يدعي معرفة أو فهم شيء وهو خارجه.  كنت أشعر أنني كما لو كنت في حلم: أنا الفتاة الأمريكية المسلمة ذات الاثنين والعشرين ربيعاً أعمل مع رئيس الولايات المتحدة بعد أن كنت موضع سخرية وسباب البعض لأني محجبة.

في مطلع 2014 اختاروني للعمل في مجلس الأمن القومي حيث عملت عامين ونصف العام أقدم فيهما المشورة فيما يخص علاقات الرئيس أوباما بالأمريكيين المسلمين، وأعمل في موضوعات تتراوح بين تعزيز العلاقات مع “كوبا” و”لاوس” وبين تشجيع ريادة الأعمال بين النساء والشباب.

إرهاصات ونذر

مع دخول عام 2015 أطل علينا العالم بوجه أكثر قسوة، ففي فبراير من ذلك العام لقي ثلاثة من الطلاب الأمريكيين المسلمين مصرعهم وهم في منازلهم بمدينة “تشابل هيل”(بولاية كارولينا الشمالية) على يد شخص يعاني من الاسلاموفوبيا. ترددت الإدارة الأمريكية ووسائل الاعلام في تناول الموضوع كما لو كان عليهم أن يتحروا أمر القتلى قبل أن يقدموا فيهم واجب العزاء، رغم أن الأمر كان مروعاً من الناحية العاطفية.  لكن عندما أصدرت الإدارة بياناً في آخر الأمر يدين الهجوم وينعى مقتل الضحايا حدثني نائب مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي عن امتنانه لوجودي معهم وتمنى لو زاد عدد الأمريكيين المسلمين العاملين بالحكومة، حيث يجب أن تكون الحكومة وجهات اتخاذ القرار معبرة عن جميع فئات الشعب.

بعد ذلك بفترة من نفس الشهر، صرح المبشر “فرانكلين جراهام” أن الحكومة” قد تسلل اليها المسلمون”، ورمقني أحد زملائي بالعمل مبتسماً وهو يقول” ماذا لو علم هذا الرجل أن المسلمين قد وصلوا الى ردهات البيت الأبيض ويقدمون المعلومات لرئيس الولايات المتحدة عدة مرات”، ورددت عليه “لن أبرح مكاني الذي أنتمي اليه كل الانتماء، أنا فخورة بأنني أمريكية مخلصة في حماية بلدي وخدمة مصالحه”.

لم تكن تعليقات الكراهية المستفزة تلك بالأمر الجديد، فقد كانت المواقع الاليكترونية لليمين خلال سنوات حكم أوباما تنشر الكثير من الأكاذيب ونظريات المؤامرة التي ليست من العقل في شيء لكنها تستهدف بعض المؤسسات والأفراد المسلمين حتى لو كانوا من أولئك العاملين داخل الإدارة الأمريكية. كانوا يدعوننا “ارهابيين”، ” دعاة تطبيق الشريعة”، أو “المتواطئين”. لم أكن أتصور أن بعض نظريات المؤامرة هذه قد ينتهي بها الحال لتستقر يوماً في البيت الأبيض.

حملة انتخابية.. أم حملة على الإسلام؟

خلال الحملة الانتخابية للرئاسة، حتى عندما كنت قادرة على تجاوز الأيام الصعبة، أدركت أن لغة الخطاب تؤثر تأثيراً سلبياً على فئات المجتمع الأمريكي، وعندما نادي ترامب لأول مرة بحظر دخول المسلمين زادت وتيرة أخبار جرائم الكراهية ضد المسلمين، وهو أمر آخذ في التصاعد، وها نحن نرى المساجد تضرم فيها الحرائق، ونشهد حالات الهجوم على المسلمين، اذ قتل ستة منهم بأحد المساجد في كندا على يد شخص أعلن عن نفسه أنه من مؤيدي ترامب.

خلال عامي 2015 و2016 كنت أرقب، وأنا أسيرة مشاعر الانكار والخوف والقلق، كيف أن أسلوب ترامب في حملته الانتخابية قد أثار الخوف وشجع من يكرهون الأجانب ويعادون السامية ويجاهرون بالاسلاموفوبيا. صحيح أنني كنت لا أستبعد فوز ترامب لكني كنت آمل أن غالبية المجمع الانتخابي لن تسمح بنظرة الكراهية والانقسام هذه. أثناء الحملة الانتخابية، زار أوباما مسجداً في بالتيمور وأعاد على مسامع الحضور القول “نحن الأمريكيون أسرة واحدة، وعندما يشعر فرد من هذه العائلة بالعزلة فهذا يعتبر تحدياً للقيم التي تربينا عليها”. وبالطبع لن تجد هذه الكلمات أذناً صاغية عند من جاء بعده.

لم يختلف المناخ العام في 2016 كثيراً عما كان عليه في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر، لكن ما زاد الطين بلة أن من في السطلة هم الذين يغذون هذا الخوف والكراهية، وسمعت قصصاً من طالبات مدرسة تطوعت بالعمل فيها أن زميلاتهن ومدرساتهن تحرشن بهن، مما جعلهن يشعرن كأنهن غرباء عن المكان، وتخوفن من طردهن من البلاد بعد فوز ترامب. انا نفسي كاد أحد البيض يدهسني بسيارته ضاحكاُ، وفي مرة أخرى تعقبني أحدهم بعد نزولي من المترو وكال في وجهي اللعنات والسباب مهدداً” ترامب سيعيدكم الى بلادكم”.

صدمة الفوز

في مساء يوم فوز ترامب قبعت مصدومة، وفي صبيحة اليوم التالي اصطففنا في حديقة البيت الأبيض حيث وقف أوباما يدعو لوحدة البلاد ويتحدث عن انتقال سلس للسلطة. بدا لي ترامب كنقيض لكل شيء أمثله. شعرت بالضياع، وعجزت أن استوعب تمام الاستيعاب فكرة جلوس ترامب مكان أوباما.

فكرت في مسألة تركي للعمل أو البقاء فيه. وحيث أن تعييني لم يرتبط بانتماءاتي السياسية بل كان تعيينا مباشراً من مجلس الأمن القومي، فقد كان من حقي البقاء. كان مما قاله “مايكل فلين” مستشار الأمن القومي الذي اختاره ترامب ثم استقال لاحقاً إن” الخوف من المسلمين أمر منطقي”. شجعني بعض الزملاء ووجهاء المجتمع أن أبقى في وظيفتي بينما تخوف آخرون على سلامتي. واستقر رأيي وأنا مدفوعة بتفاؤل حذر وشعور بالمسئولية نحو إيصال صوت من أمثلهم، على أنه من صالح مجلس الأمن القومي تحت إدارة ترامب أن يكون به أمريكية محبة لبلدها وان كانت محجبة من المسلمين السود.

إدارة أم فوضى؟

كانت الأيام التي قضيتها في البيت الأبيض بعد تنصيب ترامب غريبة ومفزعة ومرعبة. وعلى حد قول أحد العاملين بالبيت ألبيض منذ عهد ريجان” لقد انقلب المكان رأساً على عقب. صار فوضي. لم أشهد شيئاً مثل ذلك طيلة حياتي”. لم يكن ما رأيته يوحي بأن هذه إدارة تمثل الحزب الجمهوري، أو حتى تدل على أن رئيسها رجل أعمال. ما رأيته محاولة فوضوية لتحقيق السلطة المطلقة، بدءًا من الأوامر التنفيذية المخالفة للقانون، الى اتهام الصحافة بالكذب، والتلاعب بأكاذيب لا حصر لها على أنها “حقائق بديلة”، ونهاية بتأكيدات موظفي البيت ألأبيض الجدد بأن سلطة الأمن القومي التابع للرئيس ستكون “مطلقة”.

كانوا يقوضون كل ما يمكن للرئيس الحصول عليه من تأييد من خبراء في القانون وفي شئون الأمن القومي ممن ليس لهم انتماءات حزبية داخل البيت الأبيض أو في جميع الهيئات الحكومية. وتركزت سلطة اتخاذ القرار الآن في يد حفنة قليلة من موظفي البيت الأبيض. وزاد الإحباط وفقدان الثقة عندما شعر بعض العاملين بالبيت الأبيض أنهم خارج الصورة في موضوعات من صميم عملهم. لم يكن هناك هيكل تنظيمي أو تعليمات واضحة. وخيم الهدوء الغريب على ردهات البيت الأبيض بعد أن أبقوا على الوظائف المهمة والمكاتب المسئولة عن الأمن القومي والتواصل مع الأمريكيين شاغرة لا يشغلها أحد. أمر خطير أن تضع الأمن القومي الأمريكي في يد من يعتبرون تنوعها ضعفاً.

القشة التي قصمت ظهر البعير

كان بإمكاني أن أبقى وقتاً أطول قليلاً، لكن جاء اليوم الثلاثين من يناير ليحمل الأمر التنفيذي بحظر دخول القادمين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، ذلك القرار الذي جلب على أمريكا من الفوضى أكثر مما جلب اليهاً من الأمان. لم يكن التمييز الذي تعرفه المطارات لسنين طوال أمراً يقره القانون، وها هي المظاهرات الحاشدة تندلع بينما راح الرئيس يشكو القضاء الذي أوقف العمل بقراره. ولم يكن في هذا تمييز لا تعرفه أمريكا فحسب، بل كان في الإجراءات الحكومية المدافعة عن القرار تهديداً لأمن البلاد وما درجت عليه من موازنات ومواءمات.

صناعة “داعش”

يدعي كتاب اليمين المتطرف، وهم الآن من العاملين بالبيت بالأبيض، أن الإسلام في حرب مع الغرب. المزعج في الأمر أن داعش تطلق نفس الادعاءات لتبرر ما تقوم به من هجمات تستهدف المسلمين في الغالب الأعم. وتخطط الإدارة الجديدة لتعديل برنامج مكافحة التطرف العنيف بحيث يركز فقط على المسلمين وتستخدم مصطلحات مثل “الإرهاب الإسلامي الراديكالي”، وتشرعن ما تبثه داعش من مواد دعائية، وتسمح لتنامي التطرف العنصري الأبيض أن ينطلق دون ضابط أو رادع.

أمريكا بين قوة التنوع وضعف الإقصاء

لقد أثبت الذين غمروا الشوارع والمطارات على اختلاف أديانهم واصولهم وأعراقهم وأجناسهم وأعمارهم دفاعاً عن حق أقرانهم من المواطنين الأمريكيين خلال الأسابيع القليلة الماضية أن تنوع أمريكا هو مصدر قوتها لا نقطة ضعفها. وهو ما ينطبق أيضاً على مثل العدالة والمساواة.

لم يكن التاريخ الأمريكي خالياً من العثرات، لكن ذلك كان يثبت أن أمريكا لم تكن لتصبح أكثر رخاءً وصلابة إلا من خلال النضال والتعاطف وعدم الاقصاء. وهذا هو ما حدا بوالدي للمجيء الى هنا، وهذا هو ما حدا بي أن أقول لتلميذاتي ممن غلبهن سؤال الانتماء أن هذا البلد لن يكون عظيماً بدونهن.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم أقليات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

محمي: «بابري».. قصة مسجد بناه سلطان مغولي وهدمه الهندوس تقديسًا لـ«الإله رام»

لا يوجد مختصر لأن هذه المقالة محمية بكلمة مرور. …