الرئيسية صحافة عالمية حين تضيق فرنسا بالنقاب

حين تضيق فرنسا بالنقاب

0 second read
0

 

ترجمة وعرض: محمد بدوي

اشْتَعلت الساحة الفرنسيةُ من جديد بالحديث حول النقاب بعد نشر إحدى لجانِ البرلمان المكلَّفة بهذه القضية توصياتِها التي من المرجَّح أن تسرع بإقرار البرلمان قرارًا يدين النقاب، في خطوة تمهيدية لوضع قانون يحظرُه تمامًا في فرنسا خلال الأشهر القادمة.

 

ونقلت صحيفة لوفيجارو الفرنسية عن نصّ قرار اللجنة أن النواب البرلمانيين رفضوا فرض حظرٍ شامل للنقاب، لكنهم أخذوا خطوة تدريجية نحو حظرِه بشكلٍ كلي، وذلك بإعلان منعِه في الأماكن العامة كالمستشفيات والمدارس والمواصلات.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية بيرنار فاليرو اعتبر أن توصية اللجنة البرلمانية بحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة يمثل شأنًا داخليًّا يتعلق بالمجتمع الفرنسي، موضحًا أن الأمر لا يزال في مرحلة توصية واقتراح من اللجنة، ويتعين الانتظار لنرى كيف ستتعامل معه الدولةُ والبرلمان وماذا ستكون عليه توجهاتُهم وقراراتهم.

اللجنة أوصت البرلمان بإقرار سلسلة من ثمانية عشر مقترحًا كان أولها إقرار قانون يحظر ارتداء النقاب على الأراضي الفرنسية، ودعت سلسلة المقترحات إلى تبنِّي إجراء يمنع إخفاء الوجه في المؤسسات العامة.

تقرير اللجنة، الذي نشرت الصحيفة مقتطفاتٍ منه، نصَّ على ضرورة حظر النقاب بطريقة قانونية تعتمد على التدرُّج، تبدأ أولًا بحظر النقاب في وسائل النقل والمؤسسات العامة كالمستشفيات والمدارس والإدارات العامة، مع توصية البرلمان الفرنسي بإصدار قانونٍ لجعل هذا الاقتراح موضع تنفيذ، لكنها لا توصي بإصدار قانون “عام وجازم” لعدم توافر توافق سياسي، وأقرَّت اللجنة بذلك لأنه ليس بوسعها اقتراح حظر في كل الأماكن العامة بما في ذلك الشارع.

إلا أن النائب الشيوعي أندريه جيران الذي ترأَّس اللجنة البرلمانية قال في هذا الصدد: إن المسألة التي تجري مناقشتُها هي مسألة قانون عام لحظر تغطية الوجه في الأماكن العامة بما في ذلك الشارع، وأكد جيرين في تصريح لـ”لوفيجارو” أن المنع سيكون تامًّا في الأماكن العامة، وكشف عن أن فكرة إصدار قانون يمنع النقاب بشكلٍ تام تحظى بتأييد معظم أعضاء اللجنة التي قدَّمت مشروع قرار حظر النقاب بعد مداولاتٍ استمرَّت ستة أشهر استمعت فيها إلى 75 شخصية من ضِمنِهم نساءٌ منتقبات.

ويقول جيرين النائب في الحزب الشيوعي: إنه شخصيًّا يؤيدُ سَنّ قانون يحظر ارتداء النقاب بشكل كلي في فرنسا، بَيْد أن المشكلة، في وجهة نظرِه، تكمن في مضمون القانون الذي سيصدر بهذا الصدد، والذي يجب أن يأخذ وقته اللازم، حيث إنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مفاهيم النظام العام في المجتمع الفرنسي.

تصور جيرين عن النقاب والمنتقبات قد لا يبدو غريبًا لكونه فرنسيًّا تربى على موائد العلمانية، أما ما يستدعي العجب فهو رأي الشيخ حسن شلقومي إمام مسجد في ضاحية درانسي شمال باريس الذي يؤيد قانون حظر ارتداء النقاب، مخالفًا في ذلك رأي معظم الجالية المسلمة في فرنسا، والذين يحثُّون أعضاء البرلمان على عدم التصويت لصالحِ حظر النقاب لكونه يدخل في إطار الحرية الشخصية، وحظرُه بشكل كلي ينتهك قوانين الحقوق المدنية المعمول بها في فرنسا.

شلقومي الذي يبلغ من العمر 36 عامًا قال لصحيفة “لو باريزيان”: “نعم أؤيد الحظر القانوني للبرقع الذي لا مكان له في فرنسا، وهي دولة تملك فيها المرأة حق التصويت في الانتخابات منذ عام 1945″، مضيفًا أن على النساء اللواتي يرغبن في تغطية وجوههن أن يرحلن إلى السعودية أو أي دولة إسلامية أخرى يكون فيها النقاب تقليدًا”.

ما يثير العجب أكثر هو وقوف “إيرينا بوكوفا” المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) في صف النساء المنتقبات، حين أعلنت أن منظمة اليونسكو تدافع عن حرية النساء في ارتداء النقاب أو عدمِه مشيرةً إلى عدم مراعاة مبدأ الحرية الشخصية في الإجراءات الأخيرة التي طبّقت في فرنسا.

أما عن رأي الشارع الفرنسي حول النقاب، فبحسب استطلاع للرأي نشرته مجلة “لوبوان” الفرنسية، فإن 57% من الفرنسيين يؤيدون إصدار قانون لحظر ارتداء النقاب بشكلٍ كُليٍّ في حين يعارض الحظر 37%، بينما بقي 6% منهم بدون رأي إزاء هذه المسألة.

هذا الجدل بشأن النقاب في فرنسا اختلطَ بحملة الدعاية للانتخابات المحلية التي تجري في مارس القادم، حيث يأمل حزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإحراز تقدُّمٍ على الحزب الاشتراكي الذي يعارِض فرضَ حظرٍ قانوني على النقاب رغم أن بعض نوابه يطالبون بهذا الحظر، وكان من المتوقَّع أن يقرَّ البرلمان قانونًا بحظر النقاب قبل الانتخابات، لكن الحكومة ترغب حاليًا بتأجيل إصدار القانون إلى ما بعد الانتخابات.

صحيفة لوموند بدورِها رصدتْ عودة الحديث مجددًا حول حظر ارتداء النقاب ولم تخفِ الصحيفة دهشَتَها من هذا الحظر، حيث لا يتعدى عدد المنتقبات 400 سيدة من إجمالي عدد المسلمين بفرنسا البالغ نحو 6 ملايين من بين 65 مليونًا، هم عدد سكان فرنسا.

ونشرت الصحيفة فقرات تم تسريبُها من نصّ مشروع القانون الذي أعدَّته لجنة داخلية في الحزب الحاكم “الاتحاد من أجل الحركة الشعبية” حيث ينصّ على “منع ارتداء الملابس أو مكمِّلات الزيّ التي تهدُف إلى إخفاء الوجْه في الأماكن المفتوحة للعموم، وعلى الطريق العام”.

وقالت الصحيفة: إن مشروع القانون أحدَثَ انقسامًا في صفوف الحزب الحاكم، وهو ما يحاولُ رئيس الوزراء فرانسوا فيون التغلُّب عليه بتفسير تصريحات ساركوزي التي قال فيها: “إن البرقع غير مرحَّب به في فرنسا”، بأنها موافقة ضمنية على ضرورة منعِه، غير أن رئيس الجمعية الوطنية برنار أكوييه، وهو من الحزب الحاكم أيضًا، لا يُخفِي تحفظَه على إصدار قانونٍ ملزِم، لأن إصدار تشريع غير صلب، ستكون نتيجتُه الحتمية هي الإلغاء والنقض من قِبل المجلس الدستوري أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وفي السياق ذاتِه تساءل الكاتب لوران جوفرين في افتتاحية صحيفة “ليبراسيون” عن من يدافع اليوم عن النقاب في فرنسا؟ مجيبًا بأنه لا أحد، مضيفًا أن ظاهرة النقاب تتنافى مع ما سماها قِيم الجمهورية الفرنسية، غير أن إصدار قانون بالمنع الكامل للنقاب ليس هو الحل في نظرِه، فبالإضافة إلى الهشاشة التشريعية التي سيتَّسِم بها تدبير من هذا القبيل، فهو أيضًا سيفسَّر على نطاق واسع باعتبارِه شكلًا من أشكال الخوف من الإسلام، وتمييزًا بحقِّ مسلمي فرنسا.

وبالرغم من كل تلك الضجَّة التي يفتعلها الفرنسيون حول النقاب، فإن قانون حظر النقاب في الأماكن العامة من المتوقَّع أن يواجه عقباتٍ قانونيةً؛ حيث يتعارض مع البند الرابع والثلاثين من الدستور الفرنسي، والذي ينصُّ على حرية إظهار المعتقدات الدينية، كما أنه يمكن الطعنُ فيه أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، على غرار الشكوى القضائية التي رفعها مسلمو سويسرا ومتضامنون معهم إلى المحكمة للطعن في نتائج استفتاء سويسري يقضي بحظر بناء المآذن.

 


 

الإسلام اليوم

الرابط المختصر:

هل تريد الاطلاع على المزيد من هذه المواد؟

لتصلك أحدث المنشورات مباشرة إلى إيميلك

لا تقلق؛ نتعهد بعدم الإزعاج.

العالم بالعربية. أول منصة عربية متخصصة في رصد وتحليل اتجاهات الصحف ومراكز الأبحاث ومؤسسات استطلاعات الرأي الأجنبية؛ حتى تكتمل الصورة.

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم صحافة عالمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

عناوين الصحافة الصينية

هذا التقرير خاص بالمؤسسات الإعلامية والبحثية المتعاقدة مع شركة www.intelligencemg.com. للح…