الرئيسية صحافة عالمية أوروبا تحت الحصار

أوروبا تحت الحصار

0 second read
0

ترجمة وعرض: محمد بدوي

لئن كانت إسرائيلُ في حاجة إلى جدران خرسانية أو إلكترونية أو حتى فولاذية بجانب دعم دولي وتواطؤ إقليمي لإطباق الحصار على قطاع غزة الصغير، فإن خيطًا من دخان أحد البراكين كان كافيًا لفرض حصار جوي على قارة أوروبا امتد أسبوعًا من الزمان، أصيبت فيه المطارات العالمية بالارتباك.

تعبير “حصار أوروبا” هو ما استخدمته الصحف الفرنسية ومن بينها صحيفة “ويست فرانس” لوصف الشلَل الذي عانت منه القارة العجوز في حركة الطيران لأكثر من ستة أيام بسبب سحابة من الرماد المنبعث من بركان “أيا فيول” في آيسلندا “أرض الجليد”، وهو الأمر الذي تشهده القارة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

سحابة الرماد التي انبعثت من البركان منذ بدء ثورته في 14 إبريل أربكت حركة الملاحة الجوية الدولية بعد أن تنقلت فوق جميع أجواء القارة الأوروبية، ودفعتها رياح المحيط الأطلنطي إلى أن وصلت إلى غرب روسيا.

الدخان وما نتج عنه كشف –بحسب المنظمة الدولية للنقل الجوي (إياتا)- عن فوضى وارتباك كبيرين في طريقة إدارة الدول الأوروبية للأزمات الطارئة، وتجلَّت أحد مشاهد هذا الارتباك في الانتظار طوال خمسة أيام لتنظيم مجرد مؤتمر هاتفي بين وزراء النقل الأوروبيين بعدما تعذر عليهم السفر للاجتماع في مكان واحد، وذلك بضغط من عدة شركات طيران طالبت بالتدخل لإنقاذها من أزمة حادة.

خسائر اقتصادية

وعن الخسائر الناتجة عن شلل حركة الطيران في أوروبا، أعلنت (إياتا) أن شركات الطيران خسرت 1.7 مليارات دولار، وأن حجم الأرباح الفائتة لشركات الطيران المتضررة بلغ 400 مليون دولار في اليوم الواحد خلال ذروة الأزمة، وحذرت من إفلاس أكثر من خمس شركات متوسطة وصغيرة الحجم بسبب نقص السيولة الناتجة عن هذه الأزمة.

كما طالبت جمعية الشركات الجوية الأوروبية التي تضمُّ 36 شركة، بتقديم مساعدة لشركات الطيران لتمكينها من تحمل خسائرها، وقد قدّرت الجمعية عدد الرحلات التي ألغيت في أوروبا فقط بـ 95 ألف رحلة، كما أكدت المنظمة الدولية للطيران المدني أن تأثير الأزمة على شركات الطيران وحركة المسافرين يفوق إغلاق الأجواء الذي حدث بعد أحداث سبتمبر عام 2001.

الخسائر الاقتصادية الناتجة عن هذه الأزمة لم تقتصرْ على قطاع الطيران في أوروبا فقط، حيث تضرَّرت معظم شركات الطيران العالمية من هذه الأزمة، فقد كشفت الجمعية الأمريكية لصناعة السفر عن أن الأزمة الجوية في أوروبا كلَّفت الاقتصاد الأمريكي 650 مليون دولار، وتأثرت بها ستة آلاف وظيفة في الولايات المتحدة، وذكرت الجمعية أن 78% من الرحلات بين أوروبا والولايات المتحدة تم إلغاؤها خلال الأزمة.

كما أفادت الحكومة الفرنسية أن إلغاء الرحلات كلَّف القطاع السياحي 200 مليون يورو على الأقل، كما تكبَّد قطاع السياحة في إسبانيا خسائر قدرها 252 مليون يورو.

عربيًّا؛ أعلنت الخطوط الجوية السعودية أنها تكبدت خسائر تقارب 33 مليون دولار نتيجة إغلاق المجال الجوي الأوروبي، وأعلنت شركة طيران الإمارات التابعة لحكومة دبي خسائر بقيمة أكثر من 65 مليون دولار، وفي مصر انخفضت حركة الطائرات بنسبة تصل إلى 35 %، أيضًا في الكويت وصلت الخسائر الأولية لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية خلال ثلاثة أيام فقط أثناء الأزمة إلى حوالي مليون دينار.

انعكاسات أخرى

وما زال يتحتم تقدير العواقب الإجمالية لهذه الأزمة على الاقتصاد العالمي، في وقت تسببت فيه بإغلاق عدة مصانع في العالم وإبطاء نشاط العديد من الشركات، كما كان للأزمة انعكاسات أخرى أيضًا مثل الجانب العسكري، حيث أعلن حلف الناتو أنها حالت دون إرسال حوالي 6500 جندي معظمهم أمريكيون لتعزيز القوات الأجنبية في أفغانستان لمحاربة حركة طالبان، كما ألغى الحلف مناورات له في أوروبا خلال الأزمة، وأعلن عن تضرُّر إحدى طائراته من طراز إف 16 إثر تحليقها في أجواء أوروبا وتعطُّل محركاتها جراء دخول ذرات الغبار البركاني إليها.

ومن الناحية السياسية أيضًا، ألغى عدة زعماء في العالم زيارات لبولندا أو رتبوا مواعيد جديدة فيما يتعلق بجنازة الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي الذي لقي مصرعه بسقوط طائرته في روسيا، كما امتدت آثار وقف الرحلات الجوية في أوروبا إلى قطاعات التصدير والاستيراد والصناعة والإنتاج التي لم تسلم هي الأخرى من تداعيات بركان آيسلندا التي تجاوزت الأجواء الأوروبية لتضرب قطاعات اقتصادية عديدة في آسيا وإفريقيا، بما في ذلك العالم العربي، وذلك لعدم توافر قطع الغيار وتلف بعض المنتجات وغياب بعض العمال والموظفين.

استئناف الطيران

وبعد استئناف الرحلات الجوية جزئيًّا بعد أسبوع من تعطيلها، لم يعمل هذا الاستئناف على حلّ الأزمة بشكل نهائي؛ إذ يتعين على شركات الطيران العالمية نقل ملايين الركاب الذين تقطعت بهم السبل حول العالم والذين يشكل تكدُّسهم مشكلةً كبيرة في تنظيم الرحلات الجوية خلال الأيام وربما الأسابيع القادمة.

غير أن هيئة الطيران المدني البريطانية أوضحت أن العقبة الرئيسية في وجه استئناف الرحلات تكمن في فهم درجة مقاومة الطائرات على مستوى كثافة الرماد، لكن المنظمة الدولية للطيران المدني أشارت إلى عدم وجود معايير دولية في الوقت الحاضر حول نسبة كثافة الرماد البركاني التي يمكن أن تشكل خطرًا على الطائرات.

بركان وجليد

هذه النيران المستعرة التي خرجت بإذن ربها من بين الجبال الثلجية، ومن تحت نهر جليدي، كانت مثار دهشة العالم كله، كما قال رئيس آيسلندا: “ما نشاهده هنا في آيسلندا.. منظر لا يمكنكم أن تروه في مكان آخر من العالم، وهو امتزاج ثورة بركانية وأنهار جليدية”، فالصهير الناري الخارج من البركان الذي سبب هذا الرماد بلغت درجة حرارته نحو 1200 درجة مئوية، وأذاب 10% من نهر الجليد.

ومن العجائب أن دولة البركان “آيسلندا” لم تتأثر بما حدث؛ لأن التيارات الهوائية حملت ذرات الغبار البركاني واتجهت به بعيدًا عنها، فتهبط طائراتها وتقلع بلا قلق ودون خوف.. فقد قُدِّر لهذا الغبار أن يذهب لمكان محدد.

دروس مستفادة

ما حدث يؤكد الكثيرون أنه يعدُّ آية ورسالة ربانية لمن يعيها، ففي لحظات معدودة ينقلب الأمن خوفاً، وتتحول مكاسب شركات الطيران إلى خسائر بالمليارات، وتقف قارة بأكملها عاجزةً أمام هذه الكارثة، بالرغم مما توصلت إليه من تِقْنِيَّة علمية، إنهم يشاهدون ما يحدث، ولا يملكون نحوه شيئًا، مع كل ما وصلوا إليه من علوم وتقنيات، فأين الدراسات والأبحاث، والمكتشفات والمخترعات؟! لطالما اغتروا بقوتهم وعلمهم، لكن هذا التطور لم يستطع أن يفعل شيئًا أمام سحابة من الدخان.

كما أصاب هذا الدخان علماء البيئة والأرصاد بالارتباك، فالبعض يقول إن البركان سيهدأ، والبعض الآخر يقول سيزداد، والبعض يقف حائرًا ولا يدري متى سيتوقف البركان عن نفث الغبار الذي يسبح على ارتفاع كيلو مترات في الجو، فقد تتواصل لعدة أيام وربما عدة أشهر، وربما أكثر، والبعض يرى أن الأسوأ لم يأت بعد!!

 


 

الإسلام اليوم

 

 

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم صحافة عالمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

عناوين الصحافة الصينية

هذا التقرير خاص بالمؤسسات الإعلامية والبحثية المتعاقدة مع شركة www.intelligencemg.com. للح…