الرئيسية مجتمع كاريل ميرفي: مارد السخرية يخرج من القمقم السعودي

كاريل ميرفي: مارد السخرية يخرج من القمقم السعودي

2 second read
0

ترجمة وعرض: علاء البشبيشي 

هذا هو المقال الرابع من سلسلةٍ خُماسيّة عن الداخل السعودي للصحفية المستقلة المقيمة في الرياض كاريل ميرفي؛ تؤكد فيه أن الشباب السعودي لا يزال متدينًا للغاية، رغم سخريته اللاذعة من سلوكيات مجتمعه على الإنترنت.. كل ما هنالك أنه يعيد استكشاف دور الإسلام في حياته اليومية. 

يوتيرن إنترتينمنت UTurn entertainment؛ هي شركة سعودية تنتج فيديوهات ساخرة على اليوتيوب حول المجتمع السعودي، استضافت قبل نحو عام زائرًا غير عادي: الأمير متعب بن عبد الله رئيس الحرس الوطني السعودي. وهي الزيارة التي يستذكرها علي العطاس (24 عامًا)، المخرج في يوتيرن، قائلا: “كما لو كان يقول لنا: حسنا يا رفاق؛ أنتم تقومون بعمل عظيم.. بإمكان الجميع رؤية ذلك.. استمروا في عملكم الجيد”. 

وهل هناك تأييد أكبر من ذلك يمكن للشركة أن تحصل عليه؟ فالأمير متعب، بعد كل شيء، هو ابن الملك الذي يحكم السعودية، وقد كانت زيارته القصيرة اعترافًا ضمنيًا بخروج الكوميديا في المملكة من القمقم. 

الإسلام والترفيه

والشباب السعودي في أغلبيته الساحقة ملتزم ومتدين، لكنه لم يعد يشعر- كما كان معظم آبائه من قبل- أن عليه التقليل من الأنشطة الترفيهية، أو تجنبها بالكلية؛ خوفًا من أن تصرفه عن واجباته الدينية. ويمثل هذا التحوُّل جزءًا من روح جديدة تسري في أوساط الشباب السعودي حول ما يعنيه الإسلام في حياتهم اليومية. وفي هذا السياق يقول أحمد القشقري، مدير التسويق في يوتيرن: “الإسلام لا يُحَرِّم عليك الضحك، أو الحديث عن أشياء تحدث في حياتك اليومية”.

ولطالما كان السعوديون يتمتعون بحس الفكاهة، لكن النهج السعودي المحافظ بدأ منذ الثمانينيات يمارس قدرًا أكبر من السيطرة على الحياة العامة في المملكة، في ظل نصيحةٍ بعدم الالتفات لأي نوع من الترفيه من شأنه أن يشغلك عن التفكير في عبادة الله.

وكانت النتيجة أن أصبحت الحياة العامة أكثر تجهمًا، وإمكانات الترفيه محدودة جدًا.. غابت الكوميديا عن التليفزيون الحكومي، وخضعت الكتب غير الدينية للرقابة، وأُغلِقَت نوادي المسرح في الجامعات، وحتى اليوم لا توجد دور سينما في المملكة. 

أكثر انفتاحًا.. وإيمانًا

لكن ما لبثت القنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت، أن غيَّرت المشهد تمامًا؛ فنشأ جيل من الشباب معتاد على استخدام الإنترنت للتسلية والتعليقات الاجتماعية والكوميديا. وأصبح السعوديون يقضون وقتا في مشاهدة يوتيوب أكثر من غيرهم، وهم من بين أكثر الشعوب استخدامًا للفيسبوك وتويتر، ويُقَدِّمون على هذا الأخير جرعة كبيرة من تغريدات التهكم والسخرية؛ ما أسهم في جعل كثير من السعوديين أكثر انفتاحًا.

وفي هذا السياق يقول عبد الله ماندو (28 عامًا) أحد مؤسسي يوتيرن: “الأشياء التي كنا نفعلها سابقًا خلف الأبواب المغلقة، يمكننا فعلها الآن أمام الكاميرا ونشرها على يوتيوب”. مضيفًا: “أصبحنا أكثر انفتاحًا في كل جوانب الحياة، وليس فقط دينيًا. ويرجع ذلك إلى الطريقة التي يتغير بها العالم، وهو ما أجبرنا على التساؤل بشأن هويتنا، وديننا.. أعتقد أن إيماننا اليوم أصبح أقوى؛ لأنه يواجه تحديًا”. ويردف موضحًا: “للمرة الأولى أصبحنا نتساءل لماذا نفعل هذه الأشياء؟.. فإذا كنتَ تصوم أو تصلي ستفعل ذلك لأنكَ تؤمن به، وليس لأن الآخرين يفعلون ذلك، والعكس صحيح”.

النقد الساخر

ويشرح ماندو سبب اختيار اسم الشركة، قائلًا: “يوتيرن؛ تشير إلى العودة، التي نأمل أن تكون لشيء عظيم. فمعظم العرب فخورون بتاريخهم، لذلك فإننا نعتبر العودة إليه شيء جديد”.

وتنتج الشركة عروضًا فكاهية تتناول المسؤولين السعوديين ووسائل الإعلام والإجراءات الحكومية وشركات النقل الجوي الوطنية. ويسخر الفريق من سلوكيات الناس في المساجد أثناء وقت الصلاة، وحظر قيادة النساء، وشرطة الأخلاق، والقاضي الذي دافع عن نفسه ضد اتهامات بالكسب غير المشروع بالقول إنه كان ممسوسًا من الشيطان.

لكن ذلك لا يعني أنهم يسخرون من الدين مباشرة، فهذا الموضوع لا يزال خطًا أحمر. لكن لأن الساخرين السعوديين يدمجون بين العديد من الأعراف والعادات الاجتماعية وبين الدين، فإنهم عادة ما يقدمون نقدًا ضمنيًا للطراز الرسمي الصارم من الإسلام.

مراوغة الحصار

وردًا على تصريح مسؤول سعودي مؤخرًا لوكالة الأسوشيتد برس، بأن الحكومة تفكر في تنظيم المحتوى السعودي على اليوتيوب حتى يكون منتجوه “مدركون لحدود المجتمع، فلا يتجاوزوها”، يقول ماندو، في رسالة بالبريد الإلكتروني: “لا نشعر بالقلق الشديد (من هذا التصريح). فنحن نعتقد أن هناك دائمًا مجالًا للإبداع والحَكْي مهما كانت قطعة القماش صغيرة. لكننا في المقابل نعرف أين تنتهي قطعة القماش، بحيث لا نضطر إلى استكمال الكتابة على الحائط”. ويستدرك: “في أي فعالية، معروف عن يوتيرن أنها شديدة الاحترام للقوانين والتقاليد السعودية”.

وحتى لو طُبِّقَت هذه التنظيمات، فلن تكون شديدة الفعالية.. فالشباب السعودي بارع في الالتفاف حول رقابة الإنترنت.. وطموحاتهم تختلف عن الأجيال السابقة، وهو ما توضحه جملة مكتوبة على نافذة مكتب يوتيرن: “حينما تتصارع أحلامك مع حريتك، فقد حان وقت الاستيقاظ”.


* كاريل ميرفي؛ صحفية مستقلة تقيم في السعودية. عملت لفترة طويلة مراسلة لصحيفة واشنطن بوست، وحازت جائزة بوليتزر للمراسلين الدوليين عام 1991، وجائزة جورج بولك للمراسلين الأجانب عام 1990 عن تغطيتها لأخبار الكويت بعد الغزو العراقي وما تلاه من حرب الخليج عامي 1990 و1991. ألفت كتاب “الشغف بالإسلام” الذي يناقش الصحوة المعاصرة للإسلام وجذور التطرف الديني في الشرق الأوسط.

 شؤون خليجية*

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم مجتمع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

مانديلا.. أسرار العبقرية والقيادة

“كان الرجل محاربًا وسياسيًّا ورجل دولة وصاحب مبدأ وناشطًا وأستاذًا في التخطيط والإدارة”، ه…