الرئيسية ماذا بعد؟ لماذا سيكون التوسع الشيعي قصير الأجل؟

لماذا سيكون التوسع الشيعي قصير الأجل؟

13 second read
0

ترجمة: علاء البشبيشي

-صحيحٌ أن  اتحاد الكتلة الشيعية في الشرق الأوسط يعتبر تطورا جيوسياسيا هاما، لكن خضوعها للقيادة الإيرانية يعني أنه قد يكون قصير الأجل.

– في الواقع، لم يكن تشكيل هذه الكتلة وتوسعها ممكنا إلا في ظل انقسام الدول السنية وضعفها.

– عوامل عديدة، أبرزها: الأزمة السورية، والقيود العرقية والدينية، سوف تمنع إيران من توسيع النفوذ الشيعي أكثر. 

يمكن تقسيم الصراع الطائفي في الشرق الأوسط بدقة إلى: سنة وشيعة. أو هكذا يبدو. حيث تبين أن الواقع أكثر تعقيدا. فالوحدة السنية مجرد خرافة، والدول التي تشكل المعسكر السني منقسمة حول مجموعة متنوعة من القضايا. أما الشيعة، فرغم نمو قوتهم منذ أوائل التسعينيات، فإنهم يعانون من قيودٍ حتمية لكونهم أقلية.

التحدي الديمجرافي

في الواقع، أحد أبرز الخصائص التي يتسم بها المعسكر الشيعي هو أنه يضم فقط جزءًا ضئيلا من السكان المسلمين، لا يتجاوز الربع، بينما ينتمي أكثر من ثلاثة أرباع المسلمين للإسلام السني.

ووفقا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2011، تضم أربعة بلدان فقط أغلبية شيعية، هي: إيران وأذربيجان والبحرين والعراق. لكن هناك دول أخرى لديها أقليات شيعية بارزة، منها: اليمن، والكويت، والمملكة العربية السعودية، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وسلطنة عمان. ويشكل الشيعة أيضا أكبر مجموعة طائفية في لبنان، حيث يمثلون قرابة 20% من بين 180 مليون مسلم في الهند.

– توضح الخريطة التالية واقع الانتشار الشيعي في الشرق الأوسط الكبير.. حيث يرمز اللون الأحمر إلى كثافة التواجد الشيعي، وكلما خَفَت اللون كلما قلَّ العدد. أما النسب فتشير إلى تعداد الشيعة مقابل بقية الأديان.

ومثل نظرائهم السنة، يتسم الشيعة بالتنوع الداخلي. حيث تمثل الإثنا عشرية المجموعة الأكبر، إلى جانب العديد من الأطياف الأخرى، بما في ذلك الإسماعيليين، المعروفين أيضا باسم السبعية (لأنهم اختلفوا مع باقي الشيعة حول الإمام السابع بعد موت الإمام السادس جعفر الصادق)، والطائفة الزيدية، المعروفة باسم الخمسية (لاعترافها بـ زيد بن علي كإمام خامس)، والعلويين، والدروز. وهي طوائف فرعية، تختلف جغرافيا ولغويا وسياسيا وفكريا.

تاريخيا، حكم الشيعة فترات متقطعة، مع بعض الاستثناءات البارزة. على سبيل المثال، سيطر الفاطميون على الخلافة، واتخذوا من القاهرة مقرًا لهم، وتمددوا من المغرب إلى الساحل الغربي من شبه الجزيرة العربية، بدءًا من أوائل القرن العاشر إلى أواخر القرن الثاني عشر. وخلال الفترة ما بين 932 إلى 1055، حكمت الإمبراطورية البويهية الفارسية الإثنى عشرية ما أصبح الآن إيران والعراق. وفي وقت لاحق، حكمت الدولة الإيلخانية، من مغول آسيا الوسطى، أجزاء من باكستان وأفغانستان وإيران والعراق وسوريا وتركيا. وفي سياقٍ أحدث، يتفاخر الزيدية، باستمرار الإمامية في اليمن مابين 897 إلى 1962. كما كانت العديد من الأنظمة السياسية الإسلامية الصغيرة في القرون الوسطى أيضا من سلالات شيعية.

 

(تاريخ الأسر الشيعية الحاكمة)

ومع ذلك، كانت حالات السيطرة الشيعية نادرة بالنسبة للجزء الأكبر. فقد كان للسنة الغلبة على الشيعة حتى القرن الـ16، عندما كانت الإمبراطورية الصفوية تتخذ التشيع دينًا رسميًا. لكن بحلول هذا الوقت، كان قد سقط جزء كبير من الشرق الأوسط وجنوب آسيا تحت سيطرة العثمانيين أو المغول، وكلاهما إمبراطورية سنية.

ترسيخ موطئ قدم

منذ ذلك الحين، تحولت القوة الشيعية إلى بلاد فارس. وفي عام 1979، دشنت الثورة الإيرانية رسميا جمهورية شيعية، حتى أصبحت إيران الآن أكبر وأقوى بلد شيعي من الناحية العسكرية. هذه القوة مكَّنت رجال الدين في طهران من دعم المجتمعات الشيعية، وبالتالي تعزيز نفوذ بلادهم، في العالم العربي. لكن توسيع نفوذ طهران لم يكن سهلا على طول الخط. 

بدورها حاولت إيران الاستفادة من أقليتها الأذرية، لاستغلال الأغلبية الشيعية في أذربيجان لصالحها. وحتى عام 1991، كانت أذربيجان جزءا من الاتحاد السوفيتي، كدولة علمانية. بيد أن علمانيتها جعلتها مرنة في التعامل مع المبادرات الشيعية.

كما تم خنق النفوذ الإيراني في أماكن مثل جنوب آسيا. ذلك أن الدول القوية، مثل: الهند وباكستان، ناهيك عن الحرب في أفغانستان، جعلت التوسع شرقا صعب جدا على طهران. ومع انغلاق شمال غرب البلاد وشرقها إلى حد كبير، كان الاتجاه الآخر الوحيد لإيران هو التوسع غربًا تجاه العالم العربي. 

ورغم الحلقة الآثمة من القتال الذي وقع خلال الحرب الإيرانية-العراقية في أوائل الثمانينيات، كانت طهران قادرة على إيجاد موطئ قدم لها في العراق؛ وهو ما أصبح ممكنا بفضل العداء بين النظامين في بغداد ودمشق. 

بل أصبحت سوريا في الواقع حليفا إيرانيًا منذ وقت مبكر؛ ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن النظام هناك كان علويًا ويحكم أغلبية سنية. كما ساعد حكام سوريا إيران في تطوير قدرات حزب الله ليصبح قوة سياسية وعسكرية كبيرة.

إلى جانب ذلك، هناك حدثان آخران، لعبا دورا أساسيًا في توسيع النفوذ الإيراني، هما:

(1) في عام 1989، وضعت الحرب الإيرانية-العراقية أوزارها، وتوصلت الحرب الأهلية اللبنانية- بالمصادفة نوعًا- إلى تسوية؛ وكانت النتيجة أن أصبح حزب الله- وكيل إيران- أكبر كيان سياسي في لبنان. 

(2) بعد سنوات قليلة، غزا العراقُ الكويتَ، ما أشعل حرب الخليج الأولى. بالنسبة لإيران، كانت الحرب مفيدة للغاية؛ لأنها أضعفت حكومة بغداد، التي كانت من قبل تحمي مجلس التعاون الخليجي من التعديات الإيرانية. 

اكتمال الهلال

في وقت لاحق، بدأ أكراد العراق وشيعته- الذين دعمتهم طهران لسنوات- يستغلون الضعف المتزايد الذي أصاب النظام العراقي. وبحلول وقت هزيمة صدام حسين بأيدي الأمريكيين في عام 2003، كانت العراق قد أصبحت لقمة سائغة تحت السيطرة الإيرانية. 

وهكذا أصبحت إيران تتمتع بنفوذٍ يمتد كالهلال من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط.

لكن سرعان ما توقف التوسع الإيراني، حتى لو لم تتوقف تطلعات طهران للهيمنة. وبافتراض أن حدودها الغربية آمنة، رأت طهران أن الربيع العربي يمثل فرصة للتوسع في شبه الجزيرة العربية- معقل السعودية؛ منافسة إيران الإقليمية. على وجه التحديد، كانت طهران تأمل في استخدام الانتفاضات الشيعية في البحرين لصالحها. لكن المملكة العربية السعودية، بمساعدة حلفائها في مجلس التعاون الخليجي، سحقت الانتفاضة، وبالتالي آمال إيران في الحصول على مكانة بارزة في هذه الدولة.

بعد ذلك بوقت قصير، تلقى الطموح الإيراني ضربة أخرى في سوريا، حيث تطورت احتجاجات الربيع العربي في نهاية المطاف إلى حرب أهلية واسعة النطاق. صحيح أن الحكومة العلوية لا تزال في السلطة، لكن الإطاحة بها سيكون كارثيًا بالنسبة لإيران: ستقطع الحبل السري الموصول بين طهران وحلفائها في حزب الله، وتترك الشيعة العراقيين مكشوفين في مواجهة نظام سني في سوريا. وهكذا يزول العجب من دعم إيران لنظام الرئيس السوري بشار الأسد بهذا الحماس.

خطوط حمراء لا تُحصى

حاليا، تبدو إيران والشيعة أفضل حالا من المملكة العربية السعودية والسنة. ساعد حزب الله والمليشيات الأخرى الأسد على البقاء في السلطة. ومنحت المعركة ضد الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة وتنظيم الدولة وقتًا لإيران كي تعيد تنظيم صفوفها، وتدير المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، انشغل السعوديون بالتمرد الحوثي في اليمن.

– توضح الخارطة التالية “ميزان القوى الطائفي في الشرق الأوسط”:

(1) المظلل باللون الأصفر/الأخضر، يمثل المعسكر العربي الذي تقوده السعودية، ويشمل: السعودية، والإمارات، والأردن، ومصر، والسودان، والمغرب.

(2) المظلل باللون البنفسجي، يمثل المعسكر الشيعي الذي تقوده إيران، ويشمل: إيران ولبنان.

(3) المظلل باللون البرتقالي يمثل الدول السنية غير العربية، وتشمل: باكستان وتركيا.

(4) المظلل باللون الأمر يمثل ساحات قتال، تشمل: اليمن، والعراق، وسوريا.

(5) المظلل بالخطوط المائلة يمثل مناطق النفوذ المرغوبة إيرانيًا، وتشمل: اليمن، والعراق، وسوريا، والبحرين، وغزة. 

 

ومع ذلك، لن يدوم هذا الربيع الشيعيّ. ذلك أن المكاسب التي حققها الشيعة جاءت إلى حد كبير نتيجة ضعف السنة وتنافرهم. بيدَ أن بعض التطورات الأخيرة تشير إلى أن السنة يستعيدون مكانتهم، ولو مؤقتا. فقد سيطر المتمردون على الأراضي الحاسمة في سوريا، لا سيما في محافظة إدلب، ودخلت المملكة العربية السعودية وتركيا في تحالف للإطاحة بالأسد من السلطة.

الأهم من ذلك، ببساطة أن عدد السنة يفوق الشيعة. وهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن السنة لن يقبلوا بالخضوع للحكم الشيعي. ففي لبنان، فشل حزب الله في السيطرة على الحكومة، رغم حجم ونفوذ هذه الجماعة المسلحة. وفي اليمن، قد تظهر الحركة الزيدية وكأنها النسخة اليمنية من حزب الله، لكنها لا تستطيع أن تفرض إرادتها على بقية المناطق الواقعة خارج نطاق السيطرة الزيدية. وفي العراق، لا يزال تنظيم الدولة- رغم وحشيته- يمثل جماعة سنية قوية، حتى في المناطق التي يسيطر عليها الشيعة.

وبينما يمثل الجهاديون، في الواقع، تهديدا لإيران وحلفائها الشيعة، فإنهم يمثلون أيضا فرصة. فهذه المقاربة الجهادية تضعف الدول السنية، وتدفع الرأي العام الدولي تجاه طهران. 

ويأمل الإيرانيون أن تتراجع المملكة العربية السعودية. فمن وجهة نظرهم، يمكن للزخم الحوثي في اليمن أن يساعد على اندلاع الانتفاضة مماثلة بين الإسماعيليين في محافظتي جازان ونجران السعوديتين، المتاخمتان لليمن. كما يمكن للمجتمع الإثنى عشري في المنطقة الشرقية السعودية أن يزدهر- ويحرز تطورًا، بإمكانه أن يخلق- إلى جانب البحرين- منصة هامة للنفوذ الإيراني في المملكة العربية السعودية.

لكن هناك ببساطة عدد لا يُحصى من الخطوط الحمراء للسنة في المنطقة. حتى في السيناريو المستبعد- القائم على أن تضعف المملكة العربية السعودية كثيرا لدرجة أن تفرض إيران سيطرتها الفعلية على شبه الجزيرة العربية- فإن السكان السنة لن يسمحوا بأن تسقط المدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة، تحت السيطرة الشيعية. وببساطة، لا يوجد ما يكفي من الشيعة لفعل أي شيء حيال ذلك؛ نظرا لأنهم محاطون بالسنة، كإحاطة السوار بالمعصم.

بالإضافة إلى الاعتبارات الدينية، هناك أيضا اعتبارات عرقية تحول دون انتشار الحكم الشيعي. فالقيادة الشيعية الآن في أيدي الفرس، وليس العرب. وعلى الرغم من اصطفاف الشيعة العرب مع طهران، فإنهم لم يفعلوا ذلك إلا بدافع الضرورة. وهذا يحدّ من مدى الاعتماد الإيراني عليهم في خدمة أغراض طهران.

وعلى الرغم من اتحاد الشيعة في العالم العربي إلى حد كبير، فإن بعض خلافاتهم سيكون من الصعب جدا تجاهلها. فالمنافسة لا تزال قائمة بين المراكز اللاهوتية العراقية، التابعة لمدرسة النجف التي يهيمن عليها العرب ومدرسة قم. حيث حاولت طهران جهدها زيادة نفوذها في النجف، ويأمل القادة الإيرانيون أن يمكنهم فراغ السلطة في العراق من نشر مذهب ولاية الفقيه. لكن بينما تمر إيران بتغيرات سياسية خاصة، فقد أصبحت التوترات بين الفصائل الليبرالية والمحافظة- وبين الفصائل الديمقراطية والثيوقراطية، بالنظر إلى صعود الرئيس الايراني حسن روحاني وبدء إعادة التأهيل المحلي- أكثر حدة. تلك التوترات يمكن أن تشغل اهتمام إيران، على حساب طموحاتها الدولية.

وبالتالي، بقدر ما ترغب إيران في مواصلة استغلال نقاط الضعف الحالية للسنة، فإن التغييرات الجارية في طهران قد تحبط طموحات قيادتها الإقليمية.. كما يمكن أن يكون للخلافات الداخلية بين الشيعة، وتطورات الأزمة السورية، الأثر ذاته.

 


شؤون خليجية

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم ماذا بعد؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

مستقبل الأمن المائي في شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية

* التوقعات الرئيسية: – يمكن استنزاف الجزء القابل للاستغلال من طبقات المياه العذبة ال…