ترجمة وعرض: علاء البشبيشي 

لم يكن تأثير الاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا قويًا قبل الربيع العربي، لكن الأمور الآن تتجه صوب الأسوأ، حسبما تحذر ليزا واتانابي، من مركز الدراسات الأمنية CSS، وما لم تُطَوِّر بروكسل رؤية أكثر جرأة وتماسكًا لإشراك جوارها الجنوبي، فإن الاتحاد الأوروبي في طريقه لتفويت فرصة هامة. ولأن الاتحاد الأوروبي غير مجهز لمجاراة التغييرات الديناميكية في المنطقة، فسوف يحتاج إلى جهد كبير لتأمين مصالحه طويلة الأجل. 

خلفَّت ثورات دول شمال أفريقيا والاضطرابات اللاحقة آثارًا جيوسياسية عميقة على القوى الإقليمية والدولية. وكيفية استجابة هذه القوى لتلك التغيرات هو الذي سيحدد مدى قدرتها على التأثير في مسارها، وتأمين مصالحها طويلة الأمد. 

فبينما حاول الاتحاد الأوروبي إعادة تقويم نهجه تجاه الجوار الجنوبي، خصوصًا دول شمال أفريقيا: الجزائر، مصر، ليبيا، المغرب، وتونس؛ متطلعًا إلى المساهمة في التحولات الديمقراطية- في الوقت ذاته- تنخرط القوى الإقليمية، مثل: تركيا وعدد من دول الخليج، بنشاطٍ في منطقة شمال أفريقيا، وربما تكون أكثر قدرة على  اغتنام الفرص التي تتيحها المتغيرات الجارية، والمساعدة في تشكيل التطورات التي تشهدها المنطقة. 

وإذا كان ثقل الاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا مثار شكوك أصلًا، فإن الاعتماد على أدوات غير كافية على حساب تطوير استراتيجية متماسكة لتأمين مصالحه طويلة الأجل، قد يؤدي إلى مزيد من تقويض نفوذ الاتحاد في المنطقة.

محاولة فاشلة

حاول الاتحاد الأوروبي تعزيز الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية في شمال أفريقيا، لكنه لم يحرز قدرًا من النجاح يمكن التفاخر به. وحتى قبل اندلاع الثورات، فشل الاتحاد الأوروبي في إيجاد وسيلة فعالة للتأثير على الدول التي لا أمل لديها في الانضمام إلى عضويته.

كانت الفكرة الرئيسية وراء سياسة الجوار الأوروبية هي إنشاء منطقة عازلة من الاستقرار أو “حلقة من الأصدقاء” حول الاتحاد الأوروبي تتألف من الدول سالفة الذكر. وبعدما كانت مساعدات الاتحاد مشروطة من حيث المبدأ بإجراء إصلاحات، تراجع التركيز على هذا الشرط. وأظهر زعماء الدول الشريكة في الجنوب براعة في استغلال قلق الاتحاد الأوروبي الغامر حيال الاستقرار، وتجنب الإصلاحات السياسية. وهكذا بدلًا من توفير منصة انطلاق صوب الإصلاح، أعادت هذه الاستراتيجية تعزيز اعتماد الاتحاد الأوروبي على الأنظمة الاستبدادية التي تهدف فقط إلى الحفاظ على الوضع الراهن. ولا غروَ والحال هكذا، أن يشهد المجال الاقتصادي تقدما أكثر من دعم الإصلاح الديمقراطي.

أما الشراكات الثنائية لسياسات الجوار الأوروبية فاستُكمِلَت عبر إطار تعاوني إقليمي متعدد الأطراف. ففي عام 2008، أعلن الاتحاد الأوروبي انطلاق الاتحاد من أجل المتوسط، يتألف من 43 دولة، لتجديد الشراكة الأوروبية المتوسطية (المعروفة أيضا باسم عملية برشلونة) التي تأسست عام 2005. وفي حين استندت سياسة الجوار الأوروبية إلى العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة، قدَّم الاتحاد من أجل المتوسط منتدى تستطيع الدول كلها الالتقاء فيه، بهدف ترقية المستوى السياسي لعلاقة الاتحاد مع دول جنوب المتوسط، وتوفير مزيد من الملكية المشتركة عبر نظام رئاسي مشترك، وجعل هذه العلاقات أكثر واقعية ووضوحًا من خلال مشاريع إقليمية وشبه إقليمية. ومع ذلك أُحبِط الاتحاد من أجل المتوسطي بسبب الانقسامات الناتجة عن الصراع العربي الإسرائيلي. وبحلول وقت اندلاع الانتفاضات العربية، أصبح يُنظَر إلى الاتحاد من أجل المتوسط على نطاق واسع باعتباره فشلًا. وعلى هذه الخلفية غير الملهمة، حاول الاتحاد الأوروبي مراجعة نهجه حيال جواره الجنوبي، بهدف المساهمة في الإصلاحات الديمقراطية في شمال أفريقيا.

 

نهج معدل

كانت استجابة الاتحاد الأوروبي للأحداث التي شهدتها منطقة شمال أفريقيا أثناء وقوعها خجولة، وطغت عليها فردية الدول الأعضاء؛ لا سيما تلك التي تتمتع بعلاقات قوية مع دول المنطقة. وتجلى هذا بشكل صارخ جدًا حينما دعمت فرنسا في البداية نظام بن علي المتعثر في تونس، قبل أن تتراجع في وقت لاحق. كما برزت أيضًا صعوبة تطوير موقف موحد عبر الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن المهمة العسكرية في ليبيا للمساعدة في توفير المساعدة الإنسانية. وبرز تناقض صارخ مع تدخل الناتو، بعدما لعبت دول في الاتحاد الأوروبي، خاصة فرنسا وبريطانيا، دورًا قياديًا.

ومع انتشار الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا، أقر الاتحاد الأوروبي لاحقًا بالحاجة إلى تعديل نهجه في الجوار الجنوبي. ومع ذلك ظلت الدول الأعضاء منقسمة حول طبيعة هذا التعديل؛ فتلك الواقعة في جنوب أوروبا كانت حريصة على تعزيز الشراكة بين الاتحاد والشركاء الجنوبيين، حتى لو كان ذلك على حساب تقليص الدعم لشركاء أوروبا الشرقيين. بيد أن هذا قوبل بمعارضة من الدول الأعضاء في أوروبا الوسطى التي تفضل نهجًا أكثر توازنًا. كما ظهرت وجهات نظر متباينة بشأن الدور المناسب للاتحاد من أجل المتوسط، ساهمت في أن تتبوأ سياسة الجوار الأوروبية مركز الصدارة ضمن الاستراتيجية المعدلة.

وفي مايو 2011، أطلق الاتحاد الأوروبي نهجًا معدلًا في محاولة لزيادة المشروطية السياسية، بالاستناد إلى مبدأ “المزيد مقابل المزيد” ويعني تقديم الاتحاد المزيد من الفوائد مقابل مزيد من التقدم في الإصلاحات الديمقراطية. وكنا هذا جزئيًّا اعترافا بفشل الاتحاد الأوروبي بشكل كبير في تعزيز الإصلاحات الديمقراطية في الجوار الجنوبي سابقًا، وأن التأثير على عملية الإصلاح في هذه البلدان يتطلب تقديم المزيد.

وبالإضافة إلى محاولة تعزيز المجتمع المدني والحركات الشعبية، رفع الاتحاد الأوروبي سقف عروضه من المال والأسواق والتنقل.

(1) في إطار تعزيز دعمه المالي لشركائه الجنوبيين، أضاف الاتحاد إلى الـ 3.5 مليار يورو المرصودة بالفعل للفترة ما بين 2001 و2013، 600 مليون يورو إضافية إلى ميزانية سياسة الجوار الأوروبية، وقدم 700 مليون يورو كمنح جديدة للبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية وتظهر التزامًا بالتقدم صوب الإصلاح الديمقراطي.

(2) ووفر الاتحاد الأوروبي أيضًا مزيدًا من الوصول إلى الأسواق من خلال الاتفاقيات التجارية الجديدة، التي تسمى اتفاقيات التجارة الحرة العميقة والشاملة (DCFTA)، مع الدول التي تسير على طريق الديمقراطية.

(3) ولا تشمل منطقة التجارة الحرة المرتقبة بين الاتحاد الأوروبي والشركاء الجنوبيين إزالة قيود سوق العمل، لكن بدلًا من ذلك، سوف تسهل شراكات التنقل حرية الحركة، في المقام الأول لرجال الأعمال والطلاب.

ويمتلك الاتحاد الأوروبي أوراقًا أخرى، مثل: إجراءات تحسين الإنتاج الزراعي، والإصلاح التنظيمي، ودعم المبادرات في مجالَيْ النقل والطاقة الإقليمية. إلى جانب التنسيق مع الدول الأعضاء لزيادة الإقراض من بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) وتمديد تفويض البنك الدولي للإنشاء والتعمير (EBRD) في الدول في بلدان الجوار الأوروبي الجنوبي.

غياب النموذج

هذا النهج المعدل لا يرقى لمستوى كونه استراتيجية جديدة، بل يعتمد إلى حد كبير على تطويع الأدوات المتاحة بالفعل، ويتجاهل الأوضاع الداخلية المعقدة، التي تجعل من الصعب الشروع فورًا في إجراء إصلاحات وتمنع التمويل من تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا عبر آلية سريعة تتجاوز تعقيدات صندوق النقد الدولي على غرار الدعم الخليجي المباشر لمصر. وهذا يترك الاتحاد الأوروبي غير مستعد ليس فقط للتأثير على التحولات في دول شمال أفريقيا بل أيضًا لتعزيز دوره في مواجهة القوى الأخرى التي تسعى إلى تحقيق مكاسب في سياق التحولات الجارية في المنطقة والتي تتشابك مع التطورات في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

بانوراما جيوسياسية

وفي سياق التغير الجيوسياسي في شمال أفريقيا، تحاول دول الخليج وتركيا على وجه الخصوص بوعي كسب نفوذ في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية وإلى خلق مكان لنفسها، عبر مزيج من أدوات القوتين الصلبة والناعمة.

نفوذ خليجي

تغيير التوازن الجيوسياسي في شمال أفريقيا، وارتباطه بالتحولات في الشرق الأوسط، والمخاوف بشأن تداعيات محور آسيا الأمريكي، دفع دول الخليج إلى توسيع نفوذها في شمال أفريقيا. وقد خلق العجز السوري والمصري والعراقي عن لعب دورهم التقليدي المهيمن فرصة سانحة لدول الخليج، التي لعب العديد منها دورًا كبيرًا أثناء وبعد الانتفاضات العربية، لا سيما السعودية والإمارات وقطر، الذين كان شغلهم الشاغل احتواء تأثير الانتفاضات العربية، وتشكيل مسارات العمليات الانتقالية، بما يضمن عدم انتقال عدوى الحماسة الثورية إليهم، بموازاة خنق المعارضة الداخلية، وقمع مطالب الإصلاح المحلية. وبينما تبنت السعودية نهجًا أكثر معاداة للثورة، مدعومة بالإمارات والبحرين، كانت الكويت وعمان وقطر أكثر تشككا في قدرة هذا النهج على التأثير على الأحداث وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتبلور ذلك في المواقف المتباينة تجاه الإخوان المسلمين في شمال أفريقيا، في ظل خلفية تاريخية تعود إلى السبعينيات حيث كان حكام الخليج مشغولون بكيفية التعامل مع الحركة الإسلامية الإصلاحية التي ولدت من رحم فرار أعضاء الإخوان من اضطهاد عبد الناصر.

وعلى الرغم من هذه الاختلافات، تشترك دول الخليج في استخدام المساعدات الخارجية لزيادة نفوذها في البلدان التي شهدت ثورات وتغييرًا للنظام. وتتميز هذه المساعدات بكلفة أقل من قروض صندوق النقد الدولي أو الاتحاد الأوروبي، ولذلك استطاعت مصر مواجهة تهديدات المانحين الدوليين بسحب المساعدات المالية في أعقاب الحملة على أنصار الرئيس المعزول مرسي، من خلال الاعتماد بشكل أكبر على المساعدات الخليجية.

وبالإضافة إلى المساعدات المالية، نمت الاستثمارات الخليجية في شمال أفريقيا منذ عام 2011، كجزء من التزامات المساعدات الخارجية المتدفقة على صورة مشاريع في مجال البنى التحتية الاقتصادية، بمليارات الدولارات من قطر والسعودية والإمارات إلى تونس ومصر والمغرب والجزائر.

قوة التمحور التركي

وتحاول تركيا أيضًا أن تخلق لنفسها مكانًا في شمال أفريقيا، وتعزز دورها في المناطق التي تربطها بها علاقات تاريخية تعود إلى العصر العثماني، انطلاقًا من النهج الذي اعتمده حزب العدالة والتنمية منذ مجيئه إلى السلطة في عام 2002، ويركز على “العمق الاستراتيجي” و”تصفير المشاكل مع الجيران”. وكجزء من هذه الاستراتيجية الجديدة، قامت أنقرة بحل المشاكل الثنائية مع جيرانها في الشرق الأوسط، وتعزيز دورها على نطاق واسع من خلال تعظيم قوتها الناعمة، مستفيدة من التراث الديني والثقافي الإسلامي، وتعميق علاقتها مع إيران والعراق وسوريا والأردن ولبنان ودول الخليج. لكن بعد إقامة هذه العلاقات الوثيقة مع الأنظمة القائمة، وجدت تركيا نفسها غير مستعدة لاتخاذ رد فعل صريح على الانتفاضات العربية، وكانت استجابتها الأولية للأحداث غارقة في التناقض. وبينما أعربت الحكومة التركية عن دعمها لنهاية نظام بن علي في تونس، وكانت من أوائل الداعين لتنحي مبارك في مصر، كانت استجابة أنقرة للثورتين التونسية والمصرية مختلفة عن ردة فعلها على الأزمة الليبية، حيث عارضت التدخل العسكري للناتو، لكنها سرعان ما عدلت موقفها. وهو التردد الذي كلف تركيا نقاطًا سياسية في بداية الانتفاضات العربية. ومنذ ذلك الحين حاولت أنقرة ارتداء ثوب بطل التغيير والديمقراطية في شمال أفريقيا، إلى جانب فرصة عقد تحالفات مع أنظمة إسلامية معتدلة أفرزتها النجاحات الانتخابية الأولى لحزبي الحرية والعدالة في مصر والنهضة في تونس.

 

التنقل الاستراتيجي

وفي وجود هذه القوى المتنافسة على النفوذ في شمال أفريقيا، سوف يجد الاتحاد الأوروبي صعوبة في التنقل بين التضاريس الجيوسياسية الجديدة في شمال أفريقيا، بالاعتماد على سياسة الجوار المعدلة في المقام الأول. ولا يُتَوقع أن يكون للتمويل الأوروبي ذو السقف المنخفض تأثير كبير على دول شمال أفريقيا؛ خاصة في ضوء المساعدات السخية والسهلة من دول الخليج. ومع ذلك، ليست الميزانية الهزيلة هي السبب الوحيد وراء محدودية القدرة الأوروبية على تحفيز دول شمال أفريقيا على الانخراط في الإصلاحات السياسية، لكن حتى امتلاك الاتحاد الأوروبي قوة ناعمة أكبر من الجهات الفاعلة الدولية الأخرى المتنافسة على النفوذ يبقى موضع شك.

المجال الوحيد الذي يتمتع الاتحاد الأوروبي بقوة جذب كبيرة فيه هو التجارة؛ نظرا لامتلاكه سوقًا داخلية واسعة، وتمثيله أكبر شريك تجاري لدول شمال أفريقيا، لكن ذلك قد يقيده افتقار دول الجوار الجنوبي إلى الإصلاح السياسي. ومع قصور النهج الاستراتيجي الجديد حيال دول جنوب المتوسط، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يشهد تآكل نفوذه المشكوك فيه.

أحد النتائج المحتملة للثورات العربية هو زيادة تركيز ونفوذ دول مجلس التعاون الخليجي على شمال أفريقيا، بما قد يجلب الاستقرار اللازم للشروع في الإصلاح الاقتصادي عبر توفير سريع للأموال، لكن ذلك قد يقوض الجهود الرامية إلى الإصلاح. حتى دول شمال أفريقيا تشعر بالقلق حيال دوافع دول الخليج؛ فبينما لا توجد شروط رسمية للمساعدات الخليجية، قد يكون هناك ثمن غير مرحب به. وهذا يجعل دور دول الخليج في شمال أفريقيا يمثل إشكالية محتملة من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي؛ نظرًا لأنها قد تعمل ضد أهداف الاتحاد الأوروبي المعلنة.

الإلهام التركي

وقد يكون من المتوقع أن ينمو الدور التركي على المدة الطويلة، وقد يكون أكثر استدامة من دور دول مجلس التعاون الخليجي. لكن هل سيمثل هذا نموذجًا تركيًّا في المنطقة؟ هذا أمر غير مؤكد؛ لا سيما بعد اضطرابات عام 2013، ورد فعل الحكومة على الاحتجاجات المحلية، والانتقادات الموجهة لحزب العدالة والتنمية بسبب تباطؤ الإصلاحات السياسية الداخلية. لكن الاحتجاجات التي شهدتها تركيا قد تمثل نواة لشكل أعمق من التوافقية الديمقراطية مستقبلًا. وحينها قد تمثل تركيا حالة مثيرة للاهتمام يمكن لدول شمال أفريقيا التي تمر بمرحلة انتقالية أن تستلهمها.

وقد تكون تركيا مصدر إلهام آخر؛ فبينما تخضع دول شمال أفريقيا لتحولات فريدة خاصة، يمكن لتجربة حزب العدالة والتنمية أن يلهم الأحزاب الإسلامية مثل النهضة التي تواجه تحديًا مماثلا في بلد كانت العلمانية تحكمها سابقًا. ومع ذلك يتوقف هذا النموذج على قدرة حزب العدالة والتنمية ذاته على الترويج لرؤية مجتمعية أكثر شمولًا.

وتكمن القوة الناعمة التركية في أدائها الاقتصادي وعلاقاتها الاقتصادية مع دول شمال أفريقيا. لذلك فإن ارتباطاتها طويلة المدى مع دول المنطقة قد تكون أكثر استدامة من دول الخليج التي لديها قطاعات خاصة محدودة جدًا، باستثناء السعودية، على الرغم من جهودها الرامية لتنويع اقتصاداتها. ورغم ذلك فإن قوة النموذج التركي وضعت تحت المجهر، فبعد عشر سنوات من معدلات النمو المرتفعة، يبدو أن الاقتصاد ينزلق صوب الأزمة. وسلسلة التحقيقات بشأن فساد بعض المسؤولين الحكوميين قد يلقي بظلال من الشك على استقلال القضاء والشرطة، بما يزعزع ثقة المستثمرين ويؤدي إلى انخفاض كبير في أسعار الليرة التركية مقابل الدولار، هذا بالإضافة إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة حاليًا.

ويمكن أن يعزز تغير الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط الكبير مكانة تركيا في شمال أفريقيا، ويزيد من جاذبية تركيا كشريك استراتيجي لدول الخليج. بل أطلقت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي بالفعل حوارًا سياسيًّا في عام 2008، يوفر إطارًا متعدد الأطراف لتطوير العلاقة الوليدة الحالية. لكن نموذج الإسلام السياسي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية قد يكون عقبة في طريق هذا التعاون، وهو ما يتوقف على مصير الإخوان المسلمين في شمال أفريقيا.

علاقات ثنائية

يرتبط التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر إلى حد كبير بالتجارة والطاقة. وبسبب عدم وجود إصلاح داخلي في دول الخليج ذاتها، يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي في موقف صعب وعرضة لاتهامات الكيل بمكيالين. ومع ذلك، كانت دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي قادرة على إيجاد أرضية مشتركة حول بعض القضايا الأمنية، ويمكن أن يصب حوار استراتيجي أكثر استدامة مع دول مجلس التعاون الخليجي في مصلحة الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك يبقى نطاق الشراكة الاستراتيجية مع تركيا أكبر.

وبينما حدثت الثورات العربية في وقت كانت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في أدنى مستوياتها، فإن الانتفاضات العربية اللاحقة وعدم الاستقرار قد يكون فرصة لإصلاح العلاقات، حسبما تشير إعادة إطلاق محادثات الانضمام.

وتمثل شمال أفريقيا أهمية حيوية للاتحاد الأوروبي؛ ليس فقط بسبب الترويج لمجموعة معينة من القيم كجزء من أجندة تحويلية في أعقاب الثورات العربية، ولكن أيضًا بسبب أن التطورات في المنطقة يمكن أن يكون لها آثار على الاتحاد الأوروبي في مجالات الطاقة والأمن والهجرة. لكن المسارات غير المؤكدة للبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية في شمال أفريقيا، وإشراك القوى الخارجية الأخرى بشكل أكثر حسمًا، يعني أن رمال شمال أفريقيا الجيوسياسية في حالة تغير مستمرة.

ودون إعادة النظر جذريًّا في نهجه حيال الجوار الجنوبي، قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه غارقًا أكثر في هذه الرمال المتحركة بسرعة. لكن إذا اتبع الاتحاد الأوروبي نهجًا سياسيًا يستفيد من المصالح المشتركة مع الجهات الخارجية الأخرى في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى ارتكازه على العلاقات الثنائية مع الدول الشريكة، فمن الممكن تفادي هذه النتيجة


ساسة بوست

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم مراكز أبحاث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الشرق الأوسط بعيون مراكز الأبحاث العالمية في أسبوع

احصل على تقاريرنا حصريًا الآن: info@worldinarabic.com …