شارك على Facebook شارك على Twitter شارك على Google+ شارك على Reddit شارك على Pinterest شارك على Linkedin شارك على Tumblr ترجمة: علاء البشبيشي “فشلت كل الوسائل، وحان الوقت كي تجرب باكستان الديمقراطية”، بهذه الكلمات بدأت أسبوعية “الإيكونوميست” البريطانية تقريرها حول الأوضاع المتردية في باكستان؛ حيث رأت أن الحرب ضد ما أسمته “الإرهاب” لم تفلح في شيء، رغم المواجهة التي جرت على عدة جبهات. ورغم أن باكستان تعتبر، ثاني أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، وتفخر بتأصل روح التسامح والاعتدال بين أهلها، إلا أنها تحولت إلى أخطر مكان في العالم، بعد سلسة من المواجهات الدامية، كان المواطن الباكستاني هو الخاسر الأكبر فيها. وربما لم يَخُن الصحيفة القول حين وصفت الوضع في باكستان، قائلة: “بعد اغتيال بوتو، لم يعد أحد يستطيع الضحك في باكستان”، بالطبع ليس حزنًا على بوتو، بل خوفًا على مستقبل وطنهم، الذي أضحى لغزًا حيّر الجميع. هناك أسباب أخرى كثيرة جعلت من موت بوتو- و20 ممّن شاءت الأقدار أن يكونوا بجوارها لحظة الانفجار- لحظة فارقة في تاريخ باكستان، ذلك أنها آذنت ببدء مرحلة مرعبة في تاريخ باكستان، حيث التفجيرات في كل مكان، لا يستطيع أحد مواجهتها، لدرجة أنها تستطيع الوصول إلى الجيش الباكستاني في عقر داره، وضربه داخل مقاره في روالبندي. حتى القبضة الحديدية التي ضرب بها مشرف كل من عارضه، لم تُجدِ نفعًا. هَرْجٌ لا يُبقي ولا يذر! هذه المرحلة بدأت إرهاصاتها منذ فترة، وإذا رجعنا بالذاكرة قليلاً للوراء، واستدعينا أحداث المسجد الأحمر، تبيّنت لنا القشّة التي قصمت ظهر البعير. حتى يوم وصول بوتو إلى باكستان، في أكتوبر الماضي، شهد مقتل ما يزيد عن 150 شخصًا في كراتشي، وقد علم الجميع وقتها أن لا أحد بعيد عن الاغتيال. وإذا كان الأمن الباكستاني متورطًا- كما يعتقد كثيرون- في اغتيال بوتو، فإن ذلك يضفي على الواقع ظلمة ورعبًا آخريْن. بعد اغتيال بوتو أصبح حزب الشعب الباكستاني بلا رأس، وعرضة للتمزق، لذلك تمّ التوصل سريعًا لاختيار “بلوال”، البالغ من العمر 19 عامًا، خلفًا لوالدته في رئاسة الحزب. حتى الانتخابات، التي قُتِلت بوتو وهي تحضِّر لها، والتي كان من المزمع انعقادها في الثامن من يناير الحالي، قامت لجنة الانتخابات بتأجيلها 6 أسابيع، كما يعاني حزب نواز شريف من الضعف، بسبب نفي رئيسه، الأمر الذي يجعل الحزبين الرئيسيين في باكستان في موقف لا يُحسَد عليه. ووسط ذلك كله يأتي التأييد الأمريكي للرئيس مشرف، بحجة محاربة الإرهاب، ومما يدعو للسخرية أن هذا التأييد لم يدعم الاستقرار في البلاد، بل على النقيض تمامًا، زاد من سعير الحرب. خاصة في ظلّ تدني شعبية مشرف، والعداء الشعبي ضد أمريكا، والنقمة المتزايدة بسبب الحرب ضد الجارة أفغانستان، والتي يرى الكثيرون من الباكستانيين في تلك الحرب استهدافًا ليس فقط لدينهم، بل لعرقيتهم الباشتونية كذلك. قاربا نجاة.. وأمل ضعيف! ولمَّا كان الوضع في باكستان لم يصل مرحلة الموت السريري بعدُ، ما زال هناك أمران بمقدورهما حماية باكستان من الانزلاق إلى الفوضى: الأول: البدء في تحقيق، موثوق به، حول اغتيال بوتو، والخروقات الأمنية التي أدّت لذلك. وربما كان قبول مشرف بمشاركة محققين بريطانيين في هذا الملف، خطوة في هذا الطريق. الثاني: إقامة انتخابات عادلة، مما سيكشف ضعف الضعفاء، ويظهر الجميع في حجمهم الطبيعي. فحاجة باكستان في هذا التوقيت لحكومة ديمقراطية منتخبة، تحظى بتأييد الشعب، كحاجة السمك للماء. لكن الحقيقة المؤلمة تقول: إن الأمل ضعيف في أن يترك العسكر نظام الحكم مدى الحياة، ليُتيح الفرصة أمام انتخابات نزيهة. وأن الرعب الذي خلفه اغتيال بوتو ربما يشتد سوءًا. وربما لجأ الجيش لفرض حالة جديدة من الطوارئ، أو التأكد من أن الانتخابات لن تسفر إلا عن النتائج التي يشتهيها. لطالما سوَّق مشرف الوهم لشعبه، بينما كانت الولايات المتحدة تغضّ الطرف عن مناوراته، التي أغفلت كثيرًا جوهر الأزمة. وقد حان الوقت كي يفهم الجميع أن الديمقراطية ليست بديلاً للاستقرار. لقد جاءت هذه الحوادث المتتالية، وكأنها تخاطب مشرف، قائلة له: (ألم يأنِ لباكستان أن تجرب الديمقراطية؟! فهذا أملها الوحيد، وإلا فلا).