ترجمة: علاء البشبيشي
بينما لم تسفر الحرب في اليمن حتى الآن عن نتيجة حاسمة، تُصَعِّد المملكة العربية السعودية من تدخلها في سوريا. لكن على النقيض من المسرح اليمني، حيث يمثل السعوديون أكبر قوة عسكرية، فإن الساحة السورية أكثر تعقيدًا بالنسبة للرياض. من أجل ذلك، ستُعقَد شراكة بين السعودية وتركيا، على الرغم من عدم التوافق الكامل بين أنقرة والرياض.
كما أن دعم إيران للحكومة السورية سيعقد الأمور، إلى جانب التوتر الأمريكي بشأن الجهاديين الذين سيملأون أي فراغ يحدث في دمشق إذا سقطت الحكومة. علاوة على ذلك، فإن عمليات قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في سوريا، لن تجعل الوضع أكثر بساطة.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن السعودية وتركيا وافقا على صفقةٍ؛ لتعزيز دعمهما للثوار الذين يقاتلون حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وفي سياقٍ منفصل، نقلت وكالة فرانس برس عن قوات المعارضة السورية قولها: إن المملكة السعودية تريد توحيد معظم فصائل المتمردين في سوريا، وهي الآن تعمل على التجهيز لاجتماع في منتصف يونيو؛ لتحقيق هذه الغاية. في الوقت ذاته، اجتمع وزيري خارجية تركيا وقطر لمناقشة المسألة السورية وقضايا إقليمية أخرى.
اصطفاف غير مستقر
كان الأتراك والقطريون حلفاء لفترة طويلة، دَعَما بعضهما خلالها في سوريا والمنطقة. لكن انضمام السعوديين إلى هذه المجموعة يمثل تطورًا بدأ بتولي العاهل الجديد، الملك السعودي سلمان، مهام منصبه في أواخر يناير.
في وقت سابق من هذا الشهر، نشر مركز ستراتفور تقريرا يوضح كيف يمكن أن تتعاون تركيا والمملكة العربية السعودية تكتيكيًا، لكنهم في النهاية متنافسَيْن استراتيجيَيْن على قيادة الشرق الأوسط.
وفي السياق السوري، تحتاج الرياض إلى أنقرة؛ نظرا لأن الحدود التركية الطويلة مع سوريا تمنحها قدرا كبيرا من النفوذ في بلاد الشام. وبالمثل، تدرك تركيا أنها لا تستطيع أن تتصرف في بلد عربي دون مشاركة المملكة العربية السعودية، خاصة وأن القوة المالية للمملكة تمكنها من التأثير على العديد من فصائل القتال في سوريا. بيدَ أن هذا الاعتماد المتبادل يؤدي فقط إلى نوع من الاصطفاف غير المستقر؛ بسبب الطبيعة المتباينة بين اللاعبين السنيين الكبيرين في المنطقة.
الهدف المشترك
في الوقت الحالي، يوجد هدف مشترك بين الرياض وأنقرة، يتمثل في: إسقاط الأسد، يجعلهما يتعاونان على الأقل لتوحيد الثوار. ونظرا لطبيعة الثوار المتباينة، والدور الرئيس الذي لعبته جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، في انتصارات الثوار، وعامل تنظيم الدولة، وانخراط القوى الانفصالية الكردية؛ سوف تضطر تركيا إلى الاضطلاع بدور عسكري أكثر حزما في مرحلة ما. وتحقيقا لهذه الغاية، تحدثت تركيا عن إنشاء “مناطق آمنة”- أو إرسال قوات- في شمال سوريا. ولا غروَ، فتركيا هي القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكنها إدخال قوات إلى سوريا. لكن فيما يتعلق بالدعم الجوي، يمكن أن تتعاون تركيا مع المملكة العربية السعودية وقطر ودول الخليج الأخرى- خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة- والأردن، التي يتصاعد تدخلها في جارتها الشمالية.
الإحباط المشترك
من العوامل الأخرى التي قاربت بين القوتين السنيتين المتنافستين؛ إحباطهما المشترك من إحجام الولايات المتحدة عن اتخاذ إجراء حاسم في سوريا. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، يجب على اللاعبين الإقليميين أخذ زمام المبادرة. وفي الوقت ذاته، كانت واشنطن تشعر بالقلق من أي خطط تتمخض عن سقوط حكومة الأسد، وتحول سوريا إلى ساحة خارج نطاق السيطرة، يجد فيها الجهاديون العابرون للحدود بغيتهم. وهذا هو بالضبط ما حدث في شرق سوريا عندما أعلن تنظيم الدولة ما يسمى “الخلافة”.
ماذا بعد سقوط بشار؟
في ضوء انتصارات الثوار في شمال محافظة إدلب، من المرجح جدا أن تُمَكِّن المساعدات التركية-السعودية-القطرية الثوار عند نقطة معينة من الإطاحة بحكومة الأسد. لكن مثل هذه التطورات تثير علامات استفهام حول ما سيحدث في اليوم التالي في أذهان الدول الراعية للثوار. وهاهم يخططون للقاء الشهر المقبل؛ لمناقشة ما سيحدث عندما تسقط دمشق في أيدي الثوار.
تخفيف الضغط على الإخوان
تحقيقًا للتعاون، أقنعت قطر أخيرا المملكة العربية السعودية بوجوب تخفيف معارضتها لجماعة الإخوان المسلمين؛ إذا أرادت مكافحة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة بفعالية. وهو الموقف الذي أتاح للمملكة العمل مع تركيا، التي كانت- إلى جانب دولة قطر- من بين الداعمين للحركة التي تمثل التيار الرئيسي للإسلاميين. وبدورها قررت الرياض جعل مكافحة طهران وحلفائها أولوية في الوقت الحاضر. لكن هذا لا يعني أن السعودية أصبحت الآن تحتضن الإخوان المسلمين. بل لا يمكنها القيام بذلك؛ لأن الجماعة على طرف النقيض من الأسس الدينية والسياسية السعودية.
شكل الحكومة السورية المقبلة
هذه المسألة بالغة الأهمية عندما يتعلق الأمر بالحكومة السورية في المستقبل، التي يرغب الغرب والأتراك والقطريون أن تكون ديمقراطية. علاوة على ذلك، ترغب أنقرة والدوحة في أن تصبح الدولة السورية الجديدة تحت سيطرة إسلاميين على طراز الإخوان المسلمين. لكن ليس هذا ما تريده الرياض. ومثل هذا الوضع سيؤدي فقط إلى إضعاف الجبهة الداخلية السعودية، التي تمر بمرحلة انتقالية حساسة.
إشكالية السلفيين-الجهاديين
مع ذلك، فإن معظم الثوار السوريين ينتمون إلى الطراز السلفي-الجهادي، وحملهم على قبول عملية البناء الديمقراطي ما بعد الأسد سيكون صعبا للغاية. قد تصب هذه الصعوبة في صالح المملكة العربية السعودية، لكن الرياض لا تمتلك نموذجًا سياسيًا بديلا لتقديمه. الأسوأ من ذلك، أن القوات الجهادية ستستغل هذا الخلاف، وسوف تصبح الفوضى شاحبة بالمقارنة مع ما حدث عندما أطاح الثوار الإسلاميون بالحكومة الماركسية في أفغانستان عام 1992- وهي العملية التي حفزت نمو الحركة الجهادية العابرة للحدود.
خط إيران الأحمر
وبينما تحاول المملكة العربية السعودية وتركيا البحث عن طريقة يديرون بها أهدافهم المشتركة في سوريا، فإن لديهم أيضا ما يدعو للقلق حول الحرب بالوكالة مع إيران. ذلك أن طهران تعتبر أن خسارة سوريا نتيجة غير مقبولة.


شؤون خليجية

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم العالم بالعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على الاقتصاد في المستقبل

يمكن للمؤسسات (الإعلامية والبحثية إلخ) الحصول على تقاريرنا حصريًا الآن. لمعرفة المزيد حول …

ترجمة: علاء البشبيشي
بينما لم تسفر الحرب في اليمن حتى الآن عن نتيجة حاسمة، تُصَعِّد المملكة العربية السعودية من تدخلها في سوريا. لكن على النقيض من المسرح اليمني، حيث يمثل السعوديون أكبر قوة عسكرية، فإن الساحة السورية أكثر تعقيدًا بالنسبة للرياض. من أجل ذلك، ستُعقَد شراكة بين السعودية وتركيا، على الرغم من عدم التوافق الكامل بين أنقرة والرياض.
كما أن دعم إيران للحكومة السورية سيعقد الأمور، إلى جانب التوتر الأمريكي بشأن الجهاديين الذين سيملأون أي فراغ يحدث في دمشق إذا سقطت الحكومة. علاوة على ذلك، فإن عمليات قوات التحالف، التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة في سوريا، لن تجعل الوضع أكثر بساطة.
ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن السعودية وتركيا وافقا على صفقةٍ؛ لتعزيز دعمهما للثوار الذين يقاتلون حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وفي سياقٍ منفصل، نقلت وكالة فرانس برس عن قوات المعارضة السورية قولها: إن المملكة السعودية تريد توحيد معظم فصائل المتمردين في سوريا، وهي الآن تعمل على التجهيز لاجتماع في منتصف يونيو؛ لتحقيق هذه الغاية. في الوقت ذاته، اجتمع وزيري خارجية تركيا وقطر لمناقشة المسألة السورية وقضايا إقليمية أخرى.
اصطفاف غير مستقر
كان الأتراك والقطريون حلفاء لفترة طويلة، دَعَما بعضهما خلالها في سوريا والمنطقة. لكن انضمام السعوديين إلى هذه المجموعة يمثل تطورًا بدأ بتولي العاهل الجديد، الملك السعودي سلمان، مهام منصبه في أواخر يناير.
في وقت سابق من هذا الشهر، نشر مركز ستراتفور تقريرا يوضح كيف يمكن أن تتعاون تركيا والمملكة العربية السعودية تكتيكيًا، لكنهم في النهاية متنافسَيْن استراتيجيَيْن على قيادة الشرق الأوسط.
وفي السياق السوري، تحتاج الرياض إلى أنقرة؛ نظرا لأن الحدود التركية الطويلة مع سوريا تمنحها قدرا كبيرا من النفوذ في بلاد الشام. وبالمثل، تدرك تركيا أنها لا تستطيع أن تتصرف في بلد عربي دون مشاركة المملكة العربية السعودية، خاصة وأن القوة المالية للمملكة تمكنها من التأثير على العديد من فصائل القتال في سوريا. بيدَ أن هذا الاعتماد المتبادل يؤدي فقط إلى نوع من الاصطفاف غير المستقر؛ بسبب الطبيعة المتباينة بين اللاعبين السنيين الكبيرين في المنطقة.
الهدف المشترك
في الوقت الحالي، يوجد هدف مشترك بين الرياض وأنقرة، يتمثل في: إسقاط الأسد، يجعلهما يتعاونان على الأقل لتوحيد الثوار. ونظرا لطبيعة الثوار المتباينة، والدور الرئيس الذي لعبته جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، في انتصارات الثوار، وعامل تنظيم الدولة، وانخراط القوى الانفصالية الكردية؛ سوف تضطر تركيا إلى الاضطلاع بدور عسكري أكثر حزما في مرحلة ما. وتحقيقا لهذه الغاية، تحدثت تركيا عن إنشاء “مناطق آمنة”- أو إرسال قوات- في شمال سوريا. ولا غروَ، فتركيا هي القوة الإقليمية الوحيدة التي يمكنها إدخال قوات إلى سوريا. لكن فيما يتعلق بالدعم الجوي، يمكن أن تتعاون تركيا مع المملكة العربية السعودية وقطر ودول الخليج الأخرى- خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة- والأردن، التي يتصاعد تدخلها في جارتها الشمالية.
الإحباط المشترك
من العوامل الأخرى التي قاربت بين القوتين السنيتين المتنافستين؛ إحباطهما المشترك من إحجام الولايات المتحدة عن اتخاذ إجراء حاسم في سوريا. فمن وجهة نظر الولايات المتحدة، يجب على اللاعبين الإقليميين أخذ زمام المبادرة. وفي الوقت ذاته، كانت واشنطن تشعر بالقلق من أي خطط تتمخض عن سقوط حكومة الأسد، وتحول سوريا إلى ساحة خارج نطاق السيطرة، يجد فيها الجهاديون العابرون للحدود بغيتهم. وهذا هو بالضبط ما حدث في شرق سوريا عندما أعلن تنظيم الدولة ما يسمى “الخلافة”.
ماذا بعد سقوط بشار؟
في ضوء انتصارات الثوار في شمال محافظة إدلب، من المرجح جدا أن تُمَكِّن المساعدات التركية-السعودية-القطرية الثوار عند نقطة معينة من الإطاحة بحكومة الأسد. لكن مثل هذه التطورات تثير علامات استفهام حول ما سيحدث في اليوم التالي في أذهان الدول الراعية للثوار. وهاهم يخططون للقاء الشهر المقبل؛ لمناقشة ما سيحدث عندما تسقط دمشق في أيدي الثوار.
تخفيف الضغط على الإخوان
تحقيقًا للتعاون، أقنعت قطر أخيرا المملكة العربية السعودية بوجوب تخفيف معارضتها لجماعة الإخوان المسلمين؛ إذا أرادت مكافحة نفوذ إيران المتنامي في المنطقة بفعالية. وهو الموقف الذي أتاح للمملكة العمل مع تركيا، التي كانت- إلى جانب دولة قطر- من بين الداعمين للحركة التي تمثل التيار الرئيسي للإسلاميين. وبدورها قررت الرياض جعل مكافحة طهران وحلفائها أولوية في الوقت الحاضر. لكن هذا لا يعني أن السعودية أصبحت الآن تحتضن الإخوان المسلمين. بل لا يمكنها القيام بذلك؛ لأن الجماعة على طرف النقيض من الأسس الدينية والسياسية السعودية.
شكل الحكومة السورية المقبلة
هذه المسألة بالغة الأهمية عندما يتعلق الأمر بالحكومة السورية في المستقبل، التي يرغب الغرب والأتراك والقطريون أن تكون ديمقراطية. علاوة على ذلك، ترغب أنقرة والدوحة في أن تصبح الدولة السورية الجديدة تحت سيطرة إسلاميين على طراز الإخوان المسلمين. لكن ليس هذا ما تريده الرياض. ومثل هذا الوضع سيؤدي فقط إلى إضعاف الجبهة الداخلية السعودية، التي تمر بمرحلة انتقالية حساسة.
إشكالية السلفيين-الجهاديين
مع ذلك، فإن معظم الثوار السوريين ينتمون إلى الطراز السلفي-الجهادي، وحملهم على قبول عملية البناء الديمقراطي ما بعد الأسد سيكون صعبا للغاية. قد تصب هذه الصعوبة في صالح المملكة العربية السعودية، لكن الرياض لا تمتلك نموذجًا سياسيًا بديلا لتقديمه. الأسوأ من ذلك، أن القوات الجهادية ستستغل هذا الخلاف، وسوف تصبح الفوضى شاحبة بالمقارنة مع ما حدث عندما أطاح الثوار الإسلاميون بالحكومة الماركسية في أفغانستان عام 1992- وهي العملية التي حفزت نمو الحركة الجهادية العابرة للحدود.
خط إيران الأحمر
وبينما تحاول المملكة العربية السعودية وتركيا البحث عن طريقة يديرون بها أهدافهم المشتركة في سوريا، فإن لديهم أيضا ما يدعو للقلق حول الحرب بالوكالة مع إيران. ذلك أن طهران تعتبر أن خسارة سوريا نتيجة غير مقبولة.


شؤون خليجية

طالع المزيد من المواد
طالع المزيد من المواد المنشورة بواسطة العالم بالعربية
طالع المزيد من المواد المنشورة في قسم العالم بالعربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالِع أيضًا

الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير هائل على الاقتصاد في المستقبل

يمكن للمؤسسات (الإعلامية والبحثية إلخ) الحصول على تقاريرنا حصريًا الآن. لمعرفة المزيد حول …